وَحَبَّ الْحَصِيدِ، فَجَعَلَهُ قِسْمًا آخَرَ؛ فَلَمَّا عَادَلَ الْجَمِيعَ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ خُضَرِ الْمَدِينَةِ وَلَا خَيْبَرَ.
قُلْنَا: كَذَلِكَ عَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ عَدَمُ دَلِيلٍ لَا وُجُودُ دَلِيلٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَخَذَهَا لَنُقِلَ.
قُلْنَا: وَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى نَقْلِهِ، وَالْقُرْآنُ يَكْفِي عَنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَ [آيَةُ] الزَّكَاةِ مَدَنِيَّةٌ.
قُلْنَا: قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَتَحْقِيقُهُ: فِي نُكْتَةٍ بَدِيعَةٍ؛ وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ يَطُولُ. فَهَبْكُمْ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ؛ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ بِهَا إيجَابًا مُجْمَلًا فَتَعَيَّنَ فَرْضُ اعْتِقَادِهَا، وَوَقَفَ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالْوَقْتِ، فَلَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ حَتَّى تَمَهَّدَ الْإِسْلَامُ بِالْمَدِينَةِ؛ فَوَقَعَ الْبَيَانُ، فَتَعَيَّنَ الِامْتِثَالُ، وَهَذَا لَا يَفْقُهُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ بِالْأُصُولِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» كَلَامٌ جَاءَ لِبَيَانِ تَفْصِيلِ قَدْرِ الْوَاجِبِ بِحَالِ الْمُوجِبِ فِيهِ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْعُمُومَ حَتَّى يَقَعَ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْمَامِ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ.
قُلْنَا: هَذَا هُوَ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مُذْهَبَاتِهِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا كِتَابَ الْبُرْهَانِ، وَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تُدْرَكْ فِي غَابِرِ الْأَزْمَانِ، وَلَيْسَ لَهَا فِي الدَّلَائِلِ مَكَانٌ.
نَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ لِلْعُمُومِ فِي كُلِّ مَسْقِيٍّ، وَلِتَفْصِيلِ قَدْرِ الْوَاجِبِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُوجِبِ فِيهِ، وَلَا يَتَعَارَضُ ذَلِكَ؛ فَيَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ خَصَّصْتُمْ الْحَدِيثَ فِي الْمَأْكُولَاتِ مِنْ الْمُقْتَاتِ، فَنَحْنُ نَخُصُّهُ فِي الْمَأْكُولَاتِ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute