للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْجَمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ؛ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ.

أَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُعَزَّرُ فَتَعَلَّقَ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَزْنِ، وَعُقُوبَةُ الزَّانِي مَعْلُومَةٌ؛ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ غَيْرَهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكَهَا فِي حَدِّهَا.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ زِنًا فَنَحْنُ الْآنَ نُثْبِتُهُ مَعَ الشَّافِعِيِّ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، فَيَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا مُسَاوَاتَهُ لِلزِّنَا فِي الِاسْمِ، وَهِيَ الْفَاحِشَةُ، وَهِيَ مُشَارَكَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مُحَرَّمٌ شَرْعًا، مُشْتَهًى طَبْعًا؛ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ مَعَهُ إيلَاجٌ وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ. وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَهَى، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَامِلًا؛ بَلْ هَذَا أُحْرَمُ وَأَفْحَشُ؛ فَكَانَ بِالْعُقُوبَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَطْءٌ فِي فَرْجٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْلَالٌ وَلَا إحْصَانٌ، وَلَا وُجُوبُ مَهْرٍ، وَلَا ثُبُوتُ نَسَبٍ؛ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَدٌّ.

قُلْنَا: هَذَا بَيَانٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ فَإِنَّ بَقَاءَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهِ لَا يُلْحِقُهُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ، إنَّمَا يُعَظِّمُ أَمْرَهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ تَعْظِيمًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِيهِ، أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ؛ أَلَا تَرَى إلَى عُقُوبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا أَعْظَمَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: عُقُوبَةُ اللَّهِ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ إنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْرِ.

الثَّانِي: أَنَّ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ دَخَلَ فِيهَا. فَدَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ بَابِ الْحُدُودِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ لِهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصٍ فَأَخَذَهُمْ مِنْهَا بِهَذِهِ، أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦٥] {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: ١٦٦].

قَالُوا لَهُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَنَفْعَلَنَّ بِك يَا لُوطُ، فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ؛ لِسُكُوتِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ وَالْجَمَاهِيرِ؛ فَكَانَ مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>