للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: كَانَ مُوسَى إذَا غَضِبَ طَلَعَ الدُّخَانُ مِنْ قَلَنْسُوَتِهِ، وَرَفَعَ شَعْرُ بَدَنِهِ جُبَّتَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تَتَوَقَّدُ فِي الْقَلْبِ، وَلِأَجْلِهِ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ غَضِبَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ غَضَبُهُ فَلْيَغْتَسِلْ؟» فَيُخْمِدُهَا اضْطِجَاعُهُ، وَيُطْفِئُهَا اغْتِسَالُهُ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى، فَلَمَّا جَاءَ صَكَّهُ صَكَّةً فَفَقَأَ فِيهَا عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَقَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْمَوْتُ. قَالَ: فَالْآنَ» الْحَدِيثَ.

وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ غَضَبِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِذَلِكَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ عِنْدَ رُؤْيَةِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَمَا أَوْقَعَ الْغَضَبَ هَاهُنَا، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا مَعْنَى أَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ؟ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: كَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى ثُمَّ نُسِخَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ ضَمَّ أَخَاهُ إلَيْهِ لِيَعْلَمَ مَا لَدَيْهِ، فَبَيَّنَ لَهُ أَخُوهُ أَنَّهُمْ اسْتَضْعَفُوهُ، وَكَادُوا يَقْتُلُونَهُ؛ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِمَنْ خَشِيَ الْقَتْلَ عِنْدَ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ وَهِيَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>