وأما والدي الإمام أبو بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني ﵀، ابن أبيه، وكان والده يفتخر به، ويقول على رؤوس الأشهاد في مجلس الإملاء:
محمد ابني أعلم مني وأفضل مني، تفقه عليه، وبرع في الفقه، وقرأ الأدب على جماعة، وفاق أقرانه، وقرض الشعر المليح وغسله في آخر أيامه، وشرع في عدة مصنفات ما تمم شيئاً منها، لأنه لم يمتع بعمره، واستأثر الله تعالى بروحه وقد جاوز الأربعين بقليل، سافر إلى العراق والحجاز، ورحل إلى أصبهان لسماع الحديث، وأدرك الشيوخ والأسانيد العالية، وحصل النسخ والكتب، وأملى مائة وأربعين مجلساً في الحديث، من طالعها عرف أن أحداً لم يسبقه إلى مثلها، سمع بمرو أباه، وأبا الخير بن أبي عمران الصفار، وأبا سعيد الطاهري، وبنيسابور أبا الحسن علي بن أحمد المؤذن المديني، وبهمدان أبا الحسن فيد بن عبد الرحمن الشعراني، وببغداد أبا المعالي ثابت بن بندار البقال، وبالكوفة أبا البقاء المعمر بن محمد بن علي الكوفي الحال، وبمكة أبا شاكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العثماني، وبأصبهان أبا بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ، وجماعة كثيرة من هذه الطبقة، كتب لي الإجازة بجميع مسموعاته، وشاهدت خطه بذلك، وحدث بهراه، وكانت ولادته في جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي يوم الجمعة الثالث من صفر سنة عشر وخمسمائة، ودفن عند والده، وكان شيخنا أبو القاسم محمد بن علي النظيري إذا ذكره أنشد:
زين الشباب أبو فرا … س لم يمتع بالشباب
وعمي الأكبر أبو محمد الحسن بن أبي المظفر السمعاني، كان إماماً زاهداً ورعاً، كثير العبادة والتهجد، نظيفاً منوراً، مليح الشيبة، منقبضاً عن الخلق، قل ما يخرج عن داره إلا في أيام الجمع للصلاة، تفقه على والده، وكان تلو والدي ﵏، وسمع معه الحديث، وظني أنه ولد بعده بسنتين، وأفاده والدي عن جماعة من الشيوخ، ورحل معه إلى نيسابور. سمع بمرو أباه، وأبا سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، وأبا القاسم إسماعيل بن محمد بن أحمد الزاهري، وأبا محمد كامكار بن عبد الرزاق الأديب، وأبا الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي الجرجاني، وبنيسابور أبا الحسن علي بن أحمد بن محمد المديني، وأبا إبراهيم محمد بن الحسين البالوي، وأبا سعيد عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري، وأبا علي نصر الله بن أحمد الحشنامي وجماعة سواهم. سمعت منه الكثير، وكان يكرمني ويحبني، وقرأت عليه الكتب المصنفة مثل كتاب " الجامع " لمعمر بن راشد، وكتاب " التاريخ " لأحمد بن سيار، و" الأمالي " و" الانتصار " والأحاديث الألف لجدي بروايته عنه،