وسأل منصور بن جمهور كلثوم العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه، فقال: إني استقبلت منصوراً النمري يوماً من الأيام، فرأيته واجماً كئيباً، فقلت له: ما خبرك؟ فقال:
تركت امرأتي تطلق، وقد عسر عليها ولادها، وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري، فقلت له:
لم لا تكتب على فرجها هارون الرشيد؟ قال: ليكون ماذا؟ قلت: لتلد على المكان، قال:
وكيف ذاك؟ قلت: لقولك:
إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله … أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
فقال: يا كشحان، والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن قولك هذا للرشيد، فلما ولدت امرأته خبر الرشيد بما كان بيني وبينه، فغضب الرشيد بذلك، وأمر بطلبي، فاستترت عند الفضل بن الربيع، فلم يزل يستل ما في قلبه علي حتى أذن لي في الظهور، فلما دخلت عليه قال لي: قد بلغني ما قلته للنمري، فاعتذرت إليه حتى قبل، ثم قلت له: والله ما حمله على التكذيب إلا ميله إلى العلوية فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم، فقال:
أنشدني، فأنشدته:
شاء من الناس راتع هامل … يعللون النفوس بالباطل
حتى بلغت إلى قوله:
ألا مساعير يغضبون لهم … بسلة البيض والقنا الذابل
فغضب الرشيد من ذلك غضباً شديداً وقال للفضل بن الربيع: أحضره الساعة، فبعث الفضل في ذلك، فوجده قد توفي، فأمر بنبشه ليحرقه، فلم يزل الفضل يلطف له حتى كف عنه (١).
النمطي: بفتح النون والميم وفي آخره الطاء المهملة. هذه النسبة إلى النمط، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن الصقر المقرئ النمطي، المعروف بابن النمط. سمع أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي، كتب بالبصرة عن الفاروق بن عبد الكبير الخطابي، ويوسف بن يعقوب النجيرمي، وأبي قلابة الرقاشي،
(١) قال ابن الأثير في " اللباب ": قلت: فاته النسبة إلى النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهم قبيلة كبيرة، ينسب إليها كثير، منهم أبو ثعلبة النمري ثم الخشني، صاحب رسول الله ﷺ. ومن بني النمر بن وبرة أيضا غاضرة وعانية ابنا النمر، دخلا في بني سليم فقال: هما ابنا سليم. ومن النمر أيضا التيم ومشجعة والغوث كل هذه بطون من النمر، والنمر في هذا جميعه مكسور الميم والنسبة إليه فتحها.