للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عدي بن عمرو بن الحارث بن طيء الطايي المنبجي الشاعر، شامي الأصل، كان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس الأدباء، فاخذ عنهم وتعلم منهم، وكان فطناً فهماً، وكان يحب الشعر فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر وأجاد، وشاع ذكره وسار شعره، وبلغ المعتصم خبره فحمل إليه وهو بسر من رأى، فعمل به أبو تمام قصائد عديدة، وأجازه المعتصم، وقدمه على شعراء وقته، وقدم بغداد وجالس الأدباء وعاشر العلماء، وكان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس، وقد روى عنه أحمد بن أبي طاهر وغيره أخباراً مسندة، ومن مليح شعره قوله:

فحواكَ دلَّ على نجواك يا مذلُ … حتى مَ لا يتقضَّى قولك الخطلُ (١)

فإن أسمج من تشكو إليه هوىً … من كان أحسن شيء عنده العذَلُ

ما أقبلت أوجه اللذات سافرةً … مذ أدبرت باللّوى أيامنا الأولُ

إن شئت أن لا ترى صبر القطين بها … فانظر على أي حال أصبح الطَّلَلُ

كأنما جاد مغناه فغيره … دموعنا يوم بانوا وهي تنهملُ

وحكي الصولي عن الحسين بن إسحاق قال: قلت للبحتري: الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام؟ فقال: والله ما ينفعني هذا القول ولا يضر أبا تمام، ووالله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كما قالوا، ولكنني والله تابع له، لائذٍ به، آخذ منه، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه! وفي آخر عمره ولاه الحسن بن وهب بريد الموصل، وكانت له به عناية، فأقام بها أقل من سنتين، ومات بها في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ودفن بها، وكانت ولادته سنة تسعين ومائة. وقال الحسن بن وهب يرثيه:

فجع القريض بخاتم الشعراء … وغدير روضتها حبيب الطائي

ماتا معاً فتجاورا في حفرة … وكذاك كانا قبل في الأحياء

ورثاه الوزير محمد بن عبد الملك الزيات في حال وزارته:

نبأ أتى من أعظم الأنباء … لما ألمَّ مقلقلُ الأحشاء

قالوا: حبيب قد ثوى، فأجبتهم: … ناشدتكم لا تجعلوه الطائي!

ونوح بن درّاج الطايي، كان قاضياً بالكوفة، يروي عن العراقيين. روى عنه عليّ بن


(١) المذل: مفشي السر. والقول الخطل: هو الفاسد. وفي " الديوان " ص ٢٠٠: " فحواك عين علي .. ".

<<  <  ج: ص:  >  >>