الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْبَلَاءُ الَّذِي يُبْتَلَى بِهِ الْمَرْءُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا: أَنَّهَا فِتْنَةُ الْمَنَاكِيرِ بِالسُّكُوتِ عَلَيْهَا أَوْ التَّرَاضِي بِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ، وَهُوَ كَانَ دَاءَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٩].
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥].
أَنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ.
وَثَبَتَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَثُرَ الْخُبْثُ».
وَقَالَ عُمَرُ: إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ إذَا عَمِلَ الْمُنْكَرَ جِهَارًا اسْتَحَلُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ.
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦].
وَقَالَ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] فَقَدْ أَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبْتِ رَهِينَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ كُلُّ عُقُوبَةٍ بِصَاحِبِ الذَّنْبِ، بَيْدَ أَنَّ النَّاسَ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْمُنْكَرِ فَمِنْ الْفَرْضِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَآهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ فَكُلُّهُمْ عَاصٍ، هَذَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا بِرِضَاهُ بِهِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ الرَّاضِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ؛ فَانْتَظَمَ الذَّنْبُ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ مَوْضِعَهُ، وَهَذَا نَفِيسٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
فَإِنْ قِيلَ، وَهِيَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute