للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ؟ قُلْنَا: هِيَ آيَةٌ بَدِيعَةٌ، وَمَعْنَاهَا عَلَى النَّاسِ مُرْتَبِكٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي قَبَسِ الْمُوَطَّأِ، وَفِي " مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ ".

لُبَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: (اتَّقُوا) أَمْرٌ.

وَقَوْلُهُ: {لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنفال: ٢٥] نَهْيٌ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ جَوَابَ الْأَمْرِ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ بِغَيْرِ جَوَابٍ، فَيُشْكِلُ الْخِطَابُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنفال: ٢٥] نَهْيٌ دُخُولُ النُّونِ الثَّقِيلَةِ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى فِعْلِ النَّهْيِ، أَوْ جَوَابِ الْقَسَمِ.

وَلَا تَظُنُّوا أَنَّ إشْكَالَ هَذِهِ الْآيَةِ حَدَثَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ بَلْ هُوَ أَمْرٌ سَالِفٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلِذَلِكَ قَرَأَهَا قَوْمٌ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً أَنْ تُصِيبَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.

وَقَرَأَهَا آخَرُونَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.

وَهَكَذَا يُرْوَى فِيهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا قَرَأَهَا: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِتْنَةٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ.

وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ: كُنَّا نَظُنُّهَا لِغَيْرِنَا فَإِذَا بِهَا قَدْ أَصَابَتْنَا.

وَكَذَلِكَ كَانَ يَرَى ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَأَمَّا فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ فَلَا تَتَعَدَّاهُ، وَلَا تَأْخُذُ بِالْعُقُوبَةِ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِالْإِعْرَابِ وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَقَدْ أَوْضَحْنَاهَا فِي الرِّسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ وَقُلْنَا: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ أَمْرٌ ثُمَّ نَهْيٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، كَمَا تَقُولُ: قُمْ غَدًا.

لَا تَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ.

الثَّانِي: الْإِعْرَابُ اتَّقُوا فِتْنَةً إنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ: (اتَّقُوا فِتْنَةً) لَيْسَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ، فَيَصِحُّ أَنْ يَتَرَكَّبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>