قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ تَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي بَرَاءَةٍ، وَآيَةُ الْأَحْزَابِ لَمْ تَثْبُتْ بِوَاحِدٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَنْسِيَّةً، فَلَمَّا ذَكَرَهَا مَنْ ذَكَرَهَا أَوْ تَذَكَّرَهَا مَنْ تَذَكَّرَهَا عَرَفَهَا الْخَلْقُ، كَالرَّجُلِ تَنْسَاهُ، فَإِذَا رَأَيْت وَجْهَهُ عَرَفْته، أَوْ تَنْسَى اسْمَهُ وَتَرَاهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ لَك الْعَيْنُ وَالِاسْمُ، فَإِذَا انْتَسَبَ عَرَفْته.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مِنْ غَرِيبِ الْمَعَانِي أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الطَّيِّبِ سَيْفَ السُّنَّةِ وَلِسَانَ الْأُمَّةِ تَكَلَّمَ بِجَهَالَاتٍ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، لَا تُشْبِهُ مَنْصِبَهُ، فَانْتَصَبْنَا لَهَا لِنُوقِفَكُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِيهَا: أَوَّلُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ رِوَايَاتٍ فِيهِ، مِنْهَا صَحِيحَةٌ وَمِنْهَا بَاطِلَةٌ، فَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْبَاطِلَةُ فَلَا نَشْتَغِلُ بِهَا، وَأَمَّا الصَّحِيحَةُ فَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ أَنَّ هَذَا جَرَى فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَرَى فِي عَهْدِ عُثْمَانَ، وَبَيْنَ التَّارِيخَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُدَّةِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ هَذَا كَانَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ نَقُولَ: كَانَ هَذَا فِي عَهْدِ عُثْمَانَ؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ تَارِيخُ الْحَدِيثِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ لَوَجَبَ رَدُّهُ، فَكَيْفَ أَنْ يَخْتَلِفَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمُدَّتَيْنِ الطَّوِيلَتَيْنِ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: يُقَالُ لِلسَّيْفِ هَذِهِ كَهْمَةٌ مِنْ طُولِ الضِّرَابِ، هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَخَفْ وَجْهُ الْحَقِّ فِيهِ، إنَّمَا جَمَعَ زَيْدٌ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لِأَبِي بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّانِيَةُ لِعُثْمَانَ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ هَذَا فِي مَرَّتَيْنِ لِسَبَبَيْنِ وَلِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَكَانَ لِئَلَّا يَذْهَبَ الْقُرْآنُ بِذَهَابِ الْقُرَّاءِ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ: «يَذْهَبُ الْعِلْمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ»، فَلَمَّا تَحَصَّلَ مَكْتُوبًا صَارَ عُدَّةً لِمَا يُتَوَقَّعُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا جَمْعُهُ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَكَانَ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَجُمِعَ فِي الْمَصَاحِفِ لِيُرْسَلَ إلَى الْآفَاقِ، حَتَّى يُرْفَعَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute