ثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ: مِنْ اضْطِرَابِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ زَيْدًا تَارَةً قَالَ: وَجَدْت هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ السَّاقِطَةَ، وَتَارَةً لَمْ يَذْكُرْهُ، وَتَارَةً ذَكَرَ قِصَّةَ بَرَاءَةٍ، وَتَارَةً قِصَّةَ الْأَحْزَابِ أَيْضًا بِعَيْنِهَا.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُقَالُ لِلِّسَانِ: هَذِهِ عَثْرَةٌ، وَمَا الَّذِي يَمْنَعُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّاوِي حَدِيثٌ مُفَصَّلٌ يَذْكُرُ جَمِيعَهُ مَرَّةً، وَيَذْكُرُ أَكْثَرَهُ أُخْرَى، وَيَذْكُرُ أَقَلَّهُ ثَالِثَةً؟ ثَالِثُهَا: قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ مَوْضُوعًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّ زَيْدًا وَجَدَ الضَّائِعَ مِنْ الْقُرْآنِ عِنْدَ رَجُلَيْنِ.
وَهَذَا بَعِيدٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ وَكَلَ حِفْظَ مَا سَقَطَ وَذَهَبَ عَنْ الْأَجِلَّةِ الْأَمَاثِلِ مِنْ الْقُرْآنِ بِرَجُلَيْنِ: خُزَيْمَةَ، وَأَبِي خُزَيْمَةَ.
قَالَ الْقَاضِي: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَذْكُرَهُ لَهُ آخَرُ، فَيَعُودَ عِلْمُهُ إلَيْهِ.
وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ لَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ اسْتِحَالَةٌ عَقْلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ حِفْظَهُ، وَمِنْ حِفْظِهِ الْبَدِيعِ أَنْ تَذْهَبَ مِنْهُ آيَةٌ أَوْ سُورَةٌ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، فَيَذْكُرَهَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ، فَيَتَذَكَّرَهَا الْجَمِيعُ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَدِيعِ حِفْظِ اللَّهِ لَهَا.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْوَضْعَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْعَدْلُ عَنْ الْعَدْلِ، وَتَدَّعِي فِيهِ الِاضْطِرَابَ، وَهُوَ فِي سِلْكِ الصَّوَابِ مُنْتَظِمٌ، وَتَقُولُ أُخْرَى: إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَمَا الَّذِي تَضَمَّنَ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ أَوْ الْجَهَالَةِ حَتَّى يُعَابَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْته فِي مُعَارَضَتِهِ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ أَوْ عَنْ رَأْيٍ فَهُوَ الْمُضْطَرِبُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ يُعَارَضُ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِالضِّعَافِ وَالثِّقَاتُ بِالْمَوْضُوعَاتِ؟ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute