وَاحِدَةٍ عَلَى قَدْرِ الثَّرْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ دَائِرٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَعْرَابِ وَسُكَّانَ الْبَادِيَةِ يَخْدُمْنَ أَزْوَاجَهُنَّ حَتَّى فِي اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ. وَنِسَاءَ الْحَوَاضِرِ يَخْدُمُ الْمُقِلُّ مِنْهُمْ زَوْجَهُ فِيمَا خَفَّ وَيُعِينُهَا. وَأَمَّا أَهْلُ الثَّرْوَةِ فَيَخْدُمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَيَتَرَفَّهْنَ مَعَهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ مَنْصِبٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مُشْكِلًا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهَا مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا، فَالْتَزَمَ إخْدَامَهَا؛ فَيُنَفِّذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَتَنْقَطِعُ الدَّعْوَى فِيهِ. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: ٧٢] مَا الْحَفَدَةُ؟ قَالَ: الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ فِي رَأْيٍ. وَيُرْوَى أَنَّ الْحَفَدَةَ الْبَنَاتُ يَخْدُمْنَ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمَنَازِلِ. وَيُرْوَى أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَحَفَدَةً} [النحل: ٧٢] قَالَ: هُمْ الْأَعْوَانُ؛ مَنْ أَعَانَك فَقَدْ حَفَدَك. قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَقُولُهُ. أَمَا سَمِعْت قَوْلَ الشَّاعِرِ:
حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُلْقِيَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةُ الْأَجْمَالِ
وَتَصْرِيفُ الْفِعْلِ حَفَدَ يَحْفِدُ كَمَا قَدَّمْنَا حَفْدًا وَحُفُودًا وَحَفَدَانًا.
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: إنَّ الْحَفَدَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ، وَكَفَى بِمَالِكٍ فَصَاحَةً، وَهُوَ مَحْضُ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُمْ الْخَدَمُ. وَبِقَوْلِ الْخَلِيلِ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْعَرَبِ؛ فَخَرَجَتْ خِدْمَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مِنْ الْقُرْآنِ بِأَبْدَعَ بَيَانٍ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ «أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُرْسِهِ، فَكَانَتْ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ الْعَرُوسُ، فَقَالَ: أَوَتَدْرُونَ مَا أَنَقَعْت لِرَسُولِ اللَّهِ؟ أَنَقَعْت لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute