سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إلَيَّ عَرَفَتْنِي، فَقَالَتْ: مَرْثَدٌ، فَقُلْت: مَرْثَدٌ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. هَلُمَّ، فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، فَقُلْت: يَا عَنَاقُ؛ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا قَالَتْ: يَا أَهْلَ الْخِيَامِ؛ هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ، فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ، وَسَلَكْت الْخَنْدَمَةَ، فَانْتَهَيْت إلَى غَارٍ، فَدَخَلْت فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي، فَبَالُوا فَتَطَايَرَ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي، وَعَمَّاهُمْ اللَّهُ عَنِّي. قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا، وَرَجَعْت إلَى صَاحِبِي فَحَمَلْتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، حَتَّى انْتَهَيْت إلَى الْإِذْخِرِ، فَفَكَكْت عَنْهُ كَبْلَهُ، فَجَعَلْت أَحْمِلَهُ، وَيُعِينُنِي، حَتَّى قَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ عَنَاقًا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَرْثَدُ، الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَلَا تَنْكِحْهَا».
الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَكَانُوا قَوْمًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ مَسَاكِنُ وَلَا عَشَائِرُ، فَنَزَلُوا صُفَّةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ يَلْتَمِسُونَ الرِّزْقَ بِالنَّهَارِ، وَيَأْوُونَ إلَى الصُّفَّةِ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ بَغَايَا مُتَعَالِنَاتٌ بِالْفُجُورِ، مَخَاصِيبُ بِالْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ، فَهَمَّ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ، فَيَأْوُوا إلَى مَسَاكِنِهِنَّ، وَيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ قَالَهُ ابْنُ أَبِي صَالِحٍ.
وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَزَادَ: أَنَّهُنَّ كُنَّ يُدْعَيْنَ الْجَهَنَّمِيَّاتُ، نِسْبَةً إلَى جَهَنَّمَ.
الرَّابِعُ: مَعْنَاهُ الزَّانِي لَا يَزْنِي إلَّا بِزَانِيَةٍ، وَالزَّانِيَةُ لَا تَزْنِي إلَّا بِزَانٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً مَحْدُودَةً، وَلَا يَنْكِحُ الزَّانِيَةَ الْمَحْدُودَةَ إلَّا زَانٍ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرهمَا.
السَّادِسُ: أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ، وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute