للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ الْعَقْدُ؟ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَطْءُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ زِنًا إلَّا بِزَانِيَةٍ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّ الْوَطْأَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ زِنًا مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ وَطْءَ الزِّنَا لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ، وَهَذَا يُؤْثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ.

فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهِ؟ وَكَذَلِكَ هُوَ.

قُلْنَا: عَلِمْنَاهُ كَذَلِكَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَهُوَ أَحَدُ أَدِلَّتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا بَالِغٌ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ، أَوْ مُسْتَيْقِظٌ بِنَائِمَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ زِنًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ زِنًا، فَهَذَا زَانٍ يَنْكِحُ غَيْرَ زَانِيَةٍ، فَيَخْرُجُ الْمُرَادُ عَنْ بَابِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ.

قُلْنَا: هُوَ زِنًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ، وَالْآخَرُ ثَبَتَ فِيهِ الْحَدُّ، وَإِنْ أَرَدْنَا بِهِ الْعَقْدَ كَانَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الزَّانِيَةَ زَانٍ، أَوْ يَتَزَوَّجَ زَانٍ الزَّانِيَةَ، وَتَزْوِيجُ الزَّانِيَةِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَرَحِمُهَا مَشْغُولٌ بِالْمَاءِ الْفَاسِدِ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ قَدْ اُسْتُبْرِئَتْ.

فَإِنْ كَانَ رَحِمُهَا مَشْغُولًا بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زِنًا، لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ. وَأَمَّا إنْ اُسْتُبْرِئَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَاثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلَامٍ وَهُوَ دَهِشٌ، فَقَالَ لِعُمَرَ: " قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا ". فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: " إنَّ ضَيْفًا ضَافَهُ فَزَنَى بِابْنَتِهِ " فَضَرَبَ عُمَرُ فِي صَدْرِهِ. وَقَالَ: " قَبَّحَكَ اللَّهُ، أَلَا سَتَرْتَ عَلَى ابْنَتِكَ "، فَأَمَرَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلًا.

وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً فَافْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَجْلِدْهَا، وَنَفَاهُ سَنَةً، ثُمَّ جَاءَ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بَعْد ذَلِكَ، وَجَلَدَهُ عُمَرُ وَنَفَى أَحَدَهُمَا إلَى خَيْبَرَ، وَالْآخَرُ إلَى فَدَكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>