للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْيَمِين عِنْدَهُ التَّحْرِيمُ، فَوَقَعَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَعْنَى، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَبَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِهِ، وَالرَّجْعِيَّةُ مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَهَذَا يَلْزَمُ مَالِكًا لِقَوْلِهِ:

إنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ. وَكَذَلِكَ وَجْهُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ ثَلَاثٌ، فَحَمَلَهُ عَلَى أَكْبَرِ مَعْنَاهُ؛ وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ ظِهَارٌ فَبَنَاهُ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَاتِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَعَوَّلَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمُطَلَّقَةَ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُحَرِّمُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك نَفَذَ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ، وَحُرِّمَتْ؛ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ حَرَامٌ [عَلَيَّ] فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا مَعْنَوِيًّا، وَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ إنْفَاذِ الطَّلَاقِ وَإِسْقَاطِ الرَّجْعَةِ. وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك؛ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ حُكْمُ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمَا أَسْقَطَهُ اللَّهُ مِنْ الْعِوَضِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ، أَوْ الثَّلَاثِ الْقَاضِيَةِ عَلَيْهِ وَالْغَايَةِ لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً عَنْ النِّيَّةِ يَمِينًا فَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ. وَأَمَّا نَفْيُ الظِّهَارِ فِيهِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى، فَاخْتَصَّ بِلَفْظٍ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لِمَنْ يَرَى مُرَاعَاةَ الْأَلْفَاظِ؛ وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمَعَانِيَ خَاصَّةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ تَعَبُّدًا.

وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ احْتَاطَ بِأَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا؛ فَلَمَّا ارْتَجَعَهَا احْتَاطَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ فِي مَعْنَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ فِي الدَّلِيلِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا وَتُحَرِّمُهَا شَرْعًا إجْمَاعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>