وَقَدْ جَهِلَ مَسَاقَ الْآيَةِ مَنْ ظَنَّ هَذَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبَحْ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الطَّوْلِ، وَالثَّانِي خَوْفُ الْعَنَتِ؛ فَجَاءَ بِهِ شَرْطًا عَلَى شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَرَائِرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْحَرَائِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ذِكْرًا مُطْلَقًا؛ فَلَمَّا ذَكَرَ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ذَكَرَهَا ذِكْرًا مَشْرُوطًا مُؤَكَّدًا مَرْبُوطًا.
فَإِنْ قِيلَ: حَلَّقْتُمْ عَلَى دَلِيلِ الْخِطَابِ بِأَلْفَاظٍ هَائِلَةٍ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ وَصْفًا أَوْ وَصْفَيْنِ فَأَرَدْتُمْ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ الَّذِي نَازَعْنَاكُمْ فِيهِ مُذْ كُنَّا وَكُنْتُمْ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّا نَقُولُ: دَلِيلُ الْخِطَابِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِنَا، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَحَقَّقْنَاهُ تَحْقِيقًا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، وَمَنْ أَرَادَ دَرَاهُ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَسُوقَةً مَسَاقَ دَلِيلِ الْخِطَابِ كَمَا بَيَّنَّا؛ وَإِنَّمَا هِيَ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الْإِبْدَالِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ مَسُوقَةً مَسَاقَ شِبْهِ دَلِيلِ الْخِطَابِ لَوْ قُلْنَا: انْكِحُوا الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ بِطَوْلٍ وَعِنْدَ خَوْفِ عَنَتٍ، فَأَمَّا وَقَدْ قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥]؛ فَقَرَنَهُ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي رَتَّبَ عَلَيْهَا الْإِبْدَالَ فِي الشَّرِيعَةِ وَأَدْخَلَهَا فِي بَابِهَا بِعِبَارَتِهَا وَمَعْنَاهَا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهَا، فَلَيْسَ لِرَجُلٍ حَكَمَهُ اللَّهُ وَاضِعٌ.
وَمِنْ غَرِيبِ دَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى قَدْ يَخُصُّ الْوَصْفَ بِالذَّكَرِ لِلتَّنْبِيهِ، وَقَدْ يَخُصُّهُ بِالْعُرْفِ، وَقَدْ يَخُصُّهُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] فَإِنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى حَالَةِ الْإِثْرَاءِ، وَخَصَّ حَالَةَ الْإِمْلَاقِ بِالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَرَّضَ الْأَبُ لَقَتْلِ الِابْنِ فِيهَا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute