{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] خَصَّ حَالَةَ الْإِكْثَارِ وَالْإِثْرَاءِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا النُّفُوسُ بِالنَّهْيِ؛ فَأَمَّا إذَا وَقَعَ شَرْطٌ بِقُدْرَةٍ فَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَدَلِيَّةِ وَالرُّخْصَةِ، وَإِنْ وَقَعَ بِتَنْبِيهٍ مَقْرُونًا بِحَالَةٍ أَوْ عَادَةً كَانَ ظَاهِرًا، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ». وَقَدْ مَهَّدْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ خَمْسَةً مِنْ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي فِي الْمَعْنَى أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ رُخْصَةٌ، فَلَمَّا انْتَهَى النَّظَرُ إلَى هَذَا الْمَقَامِ، وَرَأَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ رُخْصَةٌ، وَأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الطَّوْلِ تَحَكَّمَ فِي الطَّوْلِ، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَقَالَ: إنَّ الطَّوْلَ هُوَ وُجُودُ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ، فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَهُوَ ذُو طَوْلٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، هَذَا تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ. وَتَحْقِيقُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّوْلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالنِّكَاحُ هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً، فَمَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَطَأَ حُرَّةً فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةً فِي الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَلَا يُنْقَلُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ. أَجَابَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنْ قَالُوا: الطَّوْلُ هُوَ الْغِنَى وَالسَّعَةُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} [التوبة: ٨٦].
وَالنِّكَاحُ هُوَ الْعَقْدُ، فَمَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَدَاقُ حُرَّةٍ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥]، وَهَذَا أَقْوَى أَلْفَاظِ الْحَصْرِ، كَقَوْلِهِ فِي شُرُوطِ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦]. وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ خَوْفَ الْعَنَتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute