للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ طَارِئَةٌ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَجْدِيدٍ مِنْ نِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ. فَإِنْ قِيلَ الْجُمُعَةُ بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ، فَلِذَلِكَ افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ مَحْدُودَةٍ. قُلْنَا: رُبَّمَا قَلَبْنَا الْأَمْرَ، فَقُلْنَا الْجُمُعَةُ أَصْلٌ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ كَلَامُهُمْ؟ الثَّانِي: إنَّا نَقُولُ: وَهَبْكُمْ سَلَّمْنَا لَكُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلٌ، أَلَيْسَتْ صَلَاةُ الْقَصْرِ بَدَلًا، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ بَدَلًا آخَرَ؟ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا غَيْرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا بَدَلًا أَوْ أَصْلًا لِأَجْلِ مُخَالَفَتِهَا فِي الصِّفَاتِ وَالشُّرُوطِ وَالْهَيْئَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ هَاهُنَا؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ وَأَنْ تُسْتَأْنَفَ لَهُ نِيَّةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: ١٠٢]: نَزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَطَرُ، وَمَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ جُرْحٍ، فَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ وَالتَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ التَّأَهُّبِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْعَدُوِّ وَتَرْكِ الِاسْتِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْجَيْشَ مَا جَاءَهُ قَطُّ مُصَابٌ إلَّا مِنْ تَفْرِيطٍ فِي حَذَرٍ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]. قَالَ قَوْمٌ: هَذِهِ الْآيَةُ وَاَلَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ سَوَاءٌ، وَهَذَا عِنْدِي بَعِيدٍ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٣] أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْهَا فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: ٧].

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ إذَا كُنْتُمْ فِيهَا قَاضِينَ لَهَا، فَأْتُوهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِكُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَمُصَافَّتِكُمْ لِلْعَدُوِّ وَكَرِّكُمْ وَفَرِّكُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>