وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٣]: يَعْنِي بِحُدُودِهَا وَأُهْبَتِهَا وَكَمَالِ هَيْئَتِهَا فِي السَّفَرِ وَكَمَالِ عَدَدِهَا فِي الْحَضَرِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: يُصَلِّي رَاحِلًا وَرَاكِبًا، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَمَا قَدَرَ يُومِئُ إيمَاءً كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَيَكُونُ فِي كُلِّ حَالَةٍ حُكْمٌ لَهُ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَيْهِ وَحُكْمٌ يَنْفَرِدُ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ مَفْرُوضًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ الْوَقْتِ، وَمَا أَظُنُّهُ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الزَّمَانِ؛ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ»؛ فَدَلَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَفْرُوضًا حَقِيقَةً.
وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنُوطَةٌ بِوَقْتٍ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَدْ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ مُرْتَبِطَةٌ بِوَقْتٍ إذَا زَالَ لَمْ تُفْعَلْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْوَقْتَ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ لَا شَرْطَ فِيهِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِفِعْلِهَا مَضَى الْوَقْتُ أَوْ بَقِيَ. وَلَا نَقُولُ إنَّ الْقُضَاةَ بِأَمْرِ ثَانٍ بِحَالٍ. وَقَدْ رَبَطْنَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمْ: إنَّ مَوْقُوتًا مَحْدُودًا بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَسُنَنٍ وَفَرَائِضَ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ لُغَةً مُحْتَمَلٌ مَعْنًى. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ. قُلْنَا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَقْتٌ لِلذِّكْرِ»، وَكَمَا دَامَ ذِكْرُهَا وَجَبَ فِعْلُهَا وَأَدَاؤُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute