فَمَطْلَعُ الْأَوَّلِ: أَنَّ الرَّأْسَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّعْرِ بِلَفْظِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْلِقْ رَأْسَك»، وَالْحَلْقُ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّعْرِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا تَرَكَّبَ عَلَيْهِ: الْمَطْلَعُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى الرَّأْسِ يَنْقَسِمُ فِي الْعُرْفِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الِاسْمِ.
وَالثَّانِي: يَقْتَضِي بَعْضَهُ؛ فَإِذَا قُلْت: " حَلَقْت رَأْسِي " اقْتَضَى فِي الْإِطْلَاقِ الْعُرْفِيِّ الْجَمِيعَ. وَإِذَا قُلْت: مَسَحْت الْجِدَارَ أَوْ رَأْسَ الْيَتِيمِ أَوْ رَأْسِي اقْتَضَى الْبَعْضَ، فَيَتَرَكَّبُ عَلَيْهِ: الْمَطْلَعُ:
الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْبَعْضَ لَا حَدَّ لَهُ مُجْزِئٌ مِنْهُ مَا كَانَ قَالَ لَنَا الشَّاشِيُّ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] وَكَانَ مَعْنَاهُ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ، وَكَانَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثًا. قُلْنَا: إنْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ مَسَحَهَا أَجْزَأَهُ، وَالْمَسْحُ أَظْهَرُ، وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَقَلُّهُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ.
الْمَطْلَعُ الرَّابِعُ: نَظَرَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيمَا يَبْدُو مِنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْغَالِبِ، وَاَلَّذِي يَبْدُو مِنْ الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ النَّاصِيَةُ، وَلَا سِيَّمَا وَهَذَا يُعْتَضَدُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ وَعِمَامَتَهُ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute