للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَطْلَعُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَسْحُ النَّاصِيَةِ فَلَا يُتَيَقَّنُ مَوْضِعُهَا؛ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَعَلُّقُ الْعِبَادَةِ بِالرَّأْسِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ مَسْحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاصِيَةَ، وَهِيَ نَحْوُ الرُّبْعِ فَيَتَقَدَّرُ الرُّبْعُ مِنْهُ أَيْنَ كَانَ، وَمَطْلَعُ الرُّبْعِ بِتَقْدِيرِ الْأَصَابِعِ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَطْلَعُ الْجَمِيعِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَّقَ عِبَادَةَ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ، كَمَا عَلَّقَ عِبَادَةَ الْغَسْلِ بِالْوَجْهِ؛ فَوَجَبَ الْإِيعَابُ فِيهِمَا بِمُطْلَقِ اللَّفْظِ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ مُطْلَقَ الْقَوْلِ فِي الْمَسْحِ لَا يَقْتَضِي الْإِيعَابَ عُرْفًا، فَمَا عُلِّقَ بِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَغْرَاضِ وَبِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، تَقُولُ: مَسَحْت الْجِدَارَ، فَيَقْتَضِي بَعْضَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْجِدَارَ لَا يُمْكِنُ تَعْمِيمُهُ بِالْمَسْحِ حِسًّا، وَلَا غَرَضَ فِي اسْتِيعَابِهِ قَصْدًا، وَتَقُولُ: مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ لِأَجْلِ الرَّأْفَةِ، فَيُجْزِئُ مِنْهُ أَقَلُّهُ بِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ. وَتَقُولُ: مَسَحْت الدَّابَّةَ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا جَمِيعُهَا؛ لِأَجْلِ مَقْصَدِ النَّظَافَةِ فِيهَا، فَتَعَلُّقُ الْوَظِيفَةِ بِالرَّأْسِ يَقْتَضِي عُمُومَهُ بِقَصْدِ التَّطْهِيرِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ: مَسَحْت رَأْسِي كُلَّهُ فَتُؤَكِّدُهُ، وَلَوْ كَانَ يَقْتَضِي الْبَعْضَ لَمَا تَأَكَّدَ بِالْكُلِّ؛ فَإِنَّ التَّأْكِيدَ لِرَفْعِ الِاحْتِمَالِ الْمُتَطَرِّقِ إلَى الظَّاهِرِ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ. وَمَطْلَعُ مَنْ قَالَ إنَّ تَرْكَ الْيَسِيرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ: أَنَّ تَحَقُّقَ عُمُومِ الْوَجْهِ بِالْغَسْلِ مُمْكِنٌ بِالْحِسِّ، وَتَحَقُّقَ عُمُومِ الْمَسْحِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ فَسُومِحَ بِتَرْكِ الْيَسِيرِ مِنْهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مُرُورَ الْيَدِ عَلَى الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ تَحْصِيلُهُ حِسًّا وَعَادَةً. وَمَطْلَعُ مَنْ قَالَ: إنَّ تَرْكَ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ: قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّهُ رَأَى الثُّلُثَ يَسِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي حَدِّ الْمَتْرُوكِ لَمَّا رَأَى الشَّرِيعَةَ سَامَحَتْ بِهِ فِي الثُّلُثِ وَغَيْرِهِ. وَمَطْلَعُ مَنْ قَالَ: إنْ مَسَحَ ثُلُثَهُ أَجْزَأَهُ إلَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الْكَثِيرِ عَلَى الثُّلُثِ فِي قَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ: " الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>