وَلُحِظَ مَطْلَعُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّاصِيَةِ حَسْبَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فِي تَعَلُّقِ الْعِبَادَاتِ بِالظَّاهِرِ. وَمَطْلَعُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي أَنَّ مَنْ مَسَحَ مُقَدِّمَةً أَجْزَأَهُ إلَى نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ تَنَاصُفٌ لَيْسَ يَخْفَى عَلَى اللَّبِيبِ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَنْحَاءِ الْمُطَلَّعَاتِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَخْرُجْ اجْتِهَادُهُمْ عَنْ سَبِيلِ الدَّلَالَاتِ فِي مَقْصُودِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا جَاوَزُوا طَرَفَيْهَا إلَى الْإِفْرَاطِ؛ فَإِنَّ لِلشَّرِيعَةِ طَرَفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: طَرَفُ التَّخْفِيفِ فِي التَّكْلِيفِ. وَالْآخَرُ: طَرَفُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ. فَمَنْ احْتَاطَ اسْتَوْفَى الْكُلَّ، وَمَنْ خَفَّفَ أَخَذَ بِالْبَعْضِ. قُلْنَا: فِي إيجَابِ الْكُلِّ تَرْجِيحٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: الِاحْتِيَاطُ.
الثَّانِي: التَّنْظِيرُ بِالْوَجْهِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ؛ بَلْ مِنْ مُطْلَقِ اللَّفْظِ فِي ذِكْرِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ، وَذِكْرِ الْمَحَلِّ؛ وَهُوَ الْوَجْهُ أَوْ الرَّأْسُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَسَحَ نَاصِيَتَهُ وَعِمَامَتَهُ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْبَعْضِ؟ قُلْنَا: بَلْ هُوَ نَصٌّ عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْجَمِيعُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْعِمَامَةِ وَالرَّأْسِ. فَلَمَّا مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى مَا أَدْرَكَ مِنْ رَأْسِهِ وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاقِيهِ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْحَائِلِ مِنْ جَبِيرَةٍ أَوْ خُفٍّ، وَنَقَلَ الْفَرْضَ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي هَذَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute