الثَّانِي: أَنَّ قِيمَةَ النَّعَامَةِ لَمْ تُسَاوِ قَطُّ قِيمَةَ الْبَدَنَةِ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ، لَا مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، عُلِمَ ذَلِكَ ضَرُورَةً وَعَادَةً، فَلَا يَنْطِقُ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا مُتَسَاخِفٌ بِالنَّظَرِ. وَإِنَّمَا سَقَطَتْ الْمِثْلِيَّةُ فِي الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْحَيَوَانِ مِنْ بَابِ الْمُزَابَنَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الشَّبَهُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ مُعْتَبَرًا، فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةٌ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ لَمَا أَوْقَفَهُ عَلَى عَدْلَيْنِ يَحْكُمَانِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ عُلِمَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إلَى الْعُدُولِ وَالْحُكْمِ مَا يُشْكَلُ الْحَالُ فِيهِ وَيَضْطَرِبُ وَجْهُ النَّظَرِ عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ اعْتِبَارَ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا وَجَبَ فِي حَالِ الْمَصِيدِ مِنْ صِغَرٍ وَكِبَرٍ، وَمَا لَهُ جِنْسٌ مِمَّا لَا جِنْسَ لَهُ، وَلْيَعْتَبِرْ مَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ نَصٌّ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥]، فَشَرَكَ بَيْنَهُمَا بِ " أَوْ " فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ، أَوْ مِنْ الطَّعَامِ، أَوْ مِنْ الصِّيَامِ، وَتَقْدِيرُ الْمِثْلِيَّةِ فِي الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ بِالْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ فِي الْمِثْلِ الْأَوَّلِ. قُلْنَا: هَذَا جَهْلٌ أَوْ تَجَاهُلٌ؛ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] ظَاهِرٌ كَمَا قَدَّمْنَا فِي مِثْلِ الْخِلْقَةِ، وَمَا عَدَاهُ يَمْتَنِعُ فِيهِ مِثْلِيَّةُ الْخِلْقَةِ حِسًّا؛ فَرَجَعَ إلَى مِثْلِيَّةِ الْمَعْنَى حُكْمًا، وَلَيْسَ إذَا عُدِمَ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبُ فِي مَوْضِعٍ وَيَرْجِعُ إلَى بَدَلِهِ يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَدَلِهِ مَعَ وُجُودِهِ. تَكْمِلَةٌ: وَمَنْ يَعْجَبُ فَعَجَبٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَالشَّامِيِّ: فَجَزَاءُ مِثْلِ بِالْإِضَافَةِ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي الْغَيْرِيَّةَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ لِمِثْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute