الْمَقْتُولِ لَا الْمَقْتُولِ، وَمِنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ: فَجَزَاءً مِثْلَ عَلَى الْوَصْفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ هُوَ الْمِثْلَ.
وَيَقُولُ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْجَزَاءَ غَيْرُ الْمِثْلِ. وَيَقُولُ الْمَدَنِيُّونَ وَالْمَكِّيُّونَ وَالشَّامِيُّونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْجَزَاءَ هُوَ الْمِثْلُ؛ فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَذْهَبَهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى ظَاهِرِ قِرَاءَةِ قُرَّاءِ بَلَدِهِ. وَقَدْ قَالَ لَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْقَرَافِيُّ الزَّاهِدُ: إنَّ ابْنَ مَعْقِلٍ الْكَاتِبَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّحْوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْمَقْتُولِ لَا جَزَاءُ مِثْلِ الْمَقْتُولِ. وَالْإِضَافَةُ تُوجِبُ جَزَاءَ الْمِثْلِ لَا جَزَاءَ الْمَقْتُولِ. قَالَ: وَمَنْ أَضَافَ الْجَزَاءَ إلَى الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى تَقْدِيرِ إقْحَامِ الْمِثْلِ؛ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: أَنَا أُكْرِمُ مِثْلَك؛ أَيْ أُكْرِمُك.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ أَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]. وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: فِي سَرْدِ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ فِي الْبَابِ: وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، لُبَابُهَا سَبْعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ السُّدِّيُّ: " فِي النَّعَامَةِ وَالْحِمَارِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْأَرْوَى بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ وَالْأَرْنَبِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ سَخْلَةٌ قَدْ أَكَلَتْ الْعُشْبَ، وَشَرِبَتْ الْمَاءَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ صَغِيرِ الصَّيْدِ وَكَبِيرِهِ.
الثَّانِي: قَالَ عَطَاءٌ: " صَغِيرُ الصَّيْدِ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥]، مُطْلَقًا، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ.
الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " تُطْلَبُ صِفَةُ الصَّيْدِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالْحِنْطَةِ، ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا ".
الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " تُذْبَحُ عَنْ الظَّبْيِ شَاةٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute