للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمُّ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: ٣٤].

وَهُوَ مَعْنًى خَبَّأَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الْخَلْقِ تَحْتَ أَسْتَارِ الْأَقْدَارِ، بِحِكْمَتِهِ الْقَائِمَةِ، وَحُجَّتِهِ الْبَالِغَةِ، وَقُدْرَتِهِ الْقَاهِرَةِ، وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ، فَكَائِنَاتُ غَدٍ تَحْتَ حِجَابِ اللَّهِ، وَنَبَّهَ: بِالْكَسْبِ عَنْ تَعْمِيَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْكَدُ مَا عِنْدَ الْمَرْءِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَأَوْلَاهُ لِلتَّحْصِيلِ، وَعَلَيْهِ يَتَرَكَّبُ الْعُمْرُ وَالرِّزْقُ، وَالْأَجَلُ، وَالنَّجَاةُ، وَالْهَلَكَةُ، وَالسُّرُورُ، وَالْغَمُّ، وَالْغَرَائِزُ الْمُزْدَوِجَةُ فِي جِبِلَّةِ الْآدَمِيِّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ أَوْ مَكْرُوهٍ لَهُ.

الْأُمُّ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤].

نَبَّأَ بِهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا رَبُّ الْعِزَّةِ.

وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَأْكِيدِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ قَالَا: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانِيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، فَطَلَبْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إذَا أَتَاهُ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ، كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَكُنَّا نَجْلِسُ جَانِبَيْهِ، فَإِنَّا لَجُلُوسٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِهِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبِ النَّاسِ رِيحًا، وَأَنْقَى النَّاسِ ثَوْبًا، كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ، إذْ وَقَفَ فِي طَرَفِ السِّمَاطِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْنُو؟ قَالَ: ادْنُهْ. فَمَا زَالَ بِهِ يَقُولُ: أَدْنُو؟ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُ: ادْنُهْ، حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ. قَالَ: فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْت؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقْت. قَالَ: فَلَمَّا أَنْ سَمِعْنَا قَوْلَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ أَنْكَرْنَا ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>