للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: ١٤١]

اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَقِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلِ: أَنَّهُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا الصَّدَقَةُ غَيْرُ الْمَفْرُوضَةِ تَكُونُ يَوْمَ الْحَصَادِ وَعِنْدَ الصِّرَامِ؛ وَهِيَ إطْعَامُ مَنْ حَضَرَ وَالْإِيتَاءُ لِمَنْ غَبَرَ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

الثَّالِثِ: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.

وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُجْمَلٌ وَلَمْ يَخْلُصُوا الْقَوْلَ فِيهِ، وَحَقِيقَةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: آتُوا مُفَسَّرٌ، وَقَوْلُهُ: {حَقَّهُ} [الأنعام: ١٤١] مُفَسَّرٌ فِي الْمُؤْتَى، مُجْمَلٌ فِي الْمِقْدَارِ؛ إنَّمَا يَقَعُ النَّظَرُ فِي رَفْعِ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَنْشَأَهُ احْتِمَالُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ وَجْهَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ، وَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هَاهُنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ.

وَقَدْ أَفَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَأَفَادَتْ بَيَانَ مَا يَجِبُ فِيهِ مِنْ مُخْرَجَاتِ الْأَرْضِ الَّتِي أَجْمَلهَا فِي قَوْلِهِ: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧]، وَفَسَّرَهَا هَاهُنَا؛ فَكَانَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ عَامَّةً فِي الْمُخْرَجِ كُلِّهِ مُجْمَلَةً فِي الْقَدْرِ؛ وَهَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةٌ فِي مُخْرَجَاتِ الْأَرْضِ مُجْمَلَةٌ فِي الْقَدْرِ، فَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُمِرَ بِأَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ»؛ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لِمِقْدَارِ الْحَقِّ الْمُجْمَلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>