وَقَالَ أَيْضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ صَدَقَةٌ». خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لِلْمِقْدَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَقُّ، وَاَلَّذِي يُسَمَّى فِي أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ نِصَابًا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مُقْتَاتٍ لَا قَوْلَ لَهُ سِوَاهُ. وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَشَرَحْنَاهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ مِنْ الْقُوتِ وَالْفَاكِهَةِ وَالْخُضَرِ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي أُصُولِ الثِّمَارِ دُونَ الْبُقُولِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَقْوَالًا؛ أَظْهَرُهَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي كُلِّ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُوسَقُ، فَأَوْجَبَهَا فِي اللَّوْزِ؛ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ دُونَ الْجَوْزِ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ، مُعَوِّلًا عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ»؛ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَحَلَّ الْوَاجِبِ هُوَ الْمُوسَقُ، وَبَيَّنَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ إخْرَاجُ الْحَقِّ مِنْهُ.
وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِالْقُوتِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْسِيقَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُقْتَاتِ غَالِبًا دَائِمًا. وَأَمَّا الْخُضَرُ فَأَمْرُهَا نَادِرٌ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ «فَتَعَلَّقَتْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ مِنْ خُضَرِ الْمَدِينَةِ صَدَقَةً».
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَ الْآيَةَ مِرْآتَهُ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْمَأْكُولِ قُوتًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ»: وَقَدْ أَشَرْنَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ إلَى مَسَالِكِ النَّظَرِ فِيهَا فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ وَالتَّخْلِيصِ. وَقَدْ آنَ تَحْدِيدُ النَّظَرِ فِيهَا كَمَا يَلْزَمُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute