على كل واحد منهما بأنه زوج، وأطلق على كل واحد من الرجل والمرأة بعد ذلك العقد المقدس بأنه زوج؛ لأنه ثاني اثنين قد امتزجت حياتهما، وتلاءمت شخصياتهما حتى صار كل واحد منهما كأنه صورة من الآخر، وكأنَّه شخصه في كونه ووجوده لما ارتبطا به من حياة، ولكمال الخلطة بينهما، ولتماثل الحقوق والواجبات عليهما ولاتحاد شخصيتهما بذلك الزواج الموحِّد بينهما.
ورابع المباحث اللفظية: في كلمة " يتربصن " والتربص معناه الانتظار؛ فقد قال تعالى:(فتَرَبَّصُوِا بِهِ حَتَّى حِينٍ)، وقال تعالى:(وَمِنَ الأَعْرَاب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ. . .)، وقال تعالى:(أَمْ يَقولُونَ شَاعِرٌ نتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)، وفي كل هذه الآيات الكريمة كان التربص معناه الانتظار مع الترقب؛ والتربص من المتوفى عنها زوجها في هذا المعنى تقريبا.
و" يتربصن " هي خبر في معنى الطلب فالمعنى ليتربصن، كقوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ. . .)، وفي ذلك إشارة إلى أن التربص أمر نظري يتلاقى مع الأمر الشرعي؛ فإن الحرَّة الكريمة لَا ترضي لنفسها ولا ترضى معها أسرتها أن تتزوج فور وفاة زوجها، أو بعدها بمدة قليلة؛ فإن ذلك أمر مستهجن في الفطرة السليمة، وفي الشرع الحكيم، وفي عرف الناس، ولا ترضى العقول به والمدارك الصحيحة.
وكان مع ذلك التعبير بقوله تعالى:(بِأنفُسِهِنَّ) فيه إشارة إلى أن ذلك التربص فيه صيانة لأنفسهن، وحفظ لكرامتهن، ودفع لمعنى الامتهان والعار الذي يلحق المرأة من أن يموت ضجيعها، فلا تلبث إلا قليلًا بعد أن يسجى ويدفن، حتى تعرض نفسها طالبة الأزواج، كأنه ليس المتوفى عشيرًا أليفًا يستحق الحداد.
وقد حد الشارع للمتوفى عنها زوجها عدة هي في جملتها أكثر من عدة المطلقات؛ لأن تلك ثلاثة قروء تجيء عادة في نحو ثلاثة أشهر - وهنا يرد سؤالان: