للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦)

* * *

في الآيات السابقة إشارات إلى سطوة المشركين، إذ آذوا المؤمنين، وأخرجوهم من ديارهم، وقاتلوهم وقتلوا منهم، وقد بين سبحانه أنه سيجزي المؤمنين على صبرهم وهجرتهم، وجهادهم، ولكن قد يعرض للخاطر: لماذا يكون هؤلاء المشركون في هذه القوة وتلك النعمة الدنيوية؛ فجاء النهي الكريم ليمنع من توسوس له نفسه من أن يغتر بما عليه هؤلاء المشركون من قوة وسطوة ومتاع دنيوي، والنهي موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعناه: لَا يصح أن تُغر بما عليه المشركون من قوة ومال، وهو نهى لكل المؤمنين، وفيه إشارة إلى أن هذه الحال من شأنها أن تغر وتخدع من لَا يؤمن بالله واليوم الآخر، فكان النهي لهذا، وليس من مقتضى النهي أن يكون قد وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - غرور، فالنهي عن أمر من شأنه أن يقع في النفوس ليس دليلا على وقوعه، ولذلك روى أن قتادة قال: والله ما غروا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتي قبضه الله. ولقد قال الزمخشري في توجيه النهي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " فيه وجهان " أحدهما: مدرة (١) القوم ومتقدمهم خاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا، فكأنه قال لَا يغرنكم. والثاني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غير مغرور بحالهم، فأكد ما كان عليه وثبت ما كان على التزامه كقوله: (وَلا تَكُن مَّع الْكَافِرِينَ)، (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِين)، ومعنى غره أصاب غِرته، والغرة غفلة في اليقظة.

والتقلب التصرف، ومن ذلك قوله تعالى: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)، ومعنى تقلب هؤلاء الأعداء في البلاد تصرفهم فيها حاكمين


(١) مِدرةُ القوم (بالدال): أي المقدم فيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>