للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ... (١٦٤)

* * *

هذا بيان إجمالي يقرر أن الله تعالى أرسل رسلا كثيرة، قد قص بعضهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر لم يقصه، والقص تتبع الأثر يقال قصصت أثره، ثم أطلق على الأخبار المتتابعة، ونرى هنا أن (قَصَّ) متعدية، مفعولها المذكور من أخبارهم، والمعنى على هذا في النص تتبعنا آثارهم وأخبارهم التي يكون في ذكرها عبره لأولي الألباب، وليكون ضرب الأمثال للنبي - صلى الله عليه وسلم - في صبرهم، وإيذاء أقوامهم لهم، وإن الرسل الذين قصهم الله تعالى على نبيه من قبل كان في السور المكية، فإنها مملوءة بأخبارهم وفيه ذكرى النبوات الأولى السابقة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإن أكثر هؤلاء الذين قص الله تعالى أخبارهم ممن كانوا في البلاد العربية أو يجاورونها، أو كانت له صلة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في نسب، أو كان الذين يدَّعون اتباعهم يجادلون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويمارون في دعوته.

وليست النبوة مقصورة في هؤلاء، إنما هناك نبوات ورسالات أخرى كانت في الأمم البعيدة مثل الصين والهند، وغيرها من الأراضي التي سكنها أقوام كثيرون، وليس لنا إلا أن نفرض أن رسلا بعثوا إلى هؤلاء الأقوام؛ لأن الله تعالى يقول: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى)، ولا شك أن تركهم من غير نبي مبعوث ترك لهم سدى، وذلك ما نفَى الله تعالى في استنكار أن يقع، وقد قال تعالى: (وَإن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ).

ولذلك قال تعالى في هذا النص الكريم الذي نتكلم في معناه (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ونصبت " رسلا " على الاشتغال أي نصبت بفعل قد تضمن معناه الفعل الذي ولي المنصوب، والمعنى قصصنا رسلا من قبل: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ويكون الابتداء بذكر الرسل والاهتمام بهم لأنهم المقصودون، وأخبارهم وقصصهم جاء تبعا لهم وختم الله النص بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>