للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) المثقال - معناه المقدار الذي له ثقل يحتمل أن يوزن، والذرّة الغبار الذي لَا يرى في أكثر الأحوال، والمعنى اللفظي أن الله لا ينقص عاملا حقا وزن ذرة، وهي لَا تعلى الميزان ولا تخفضه، إلا أن يكون ميزانا دقيقا جدا، وهذا النوع من الموازين لَا يوجد في الدنيا، ولكن يوجد في الآخرة، فعندئذ تكون الموازين القسط التي لَا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا قومتها. ومعنى النص في مرماه أن الله سبحانه وتعالى، لَا ينقص أحدا من ثواب عمله أي مقدار ولو ضؤل، فهذا الكلام فيه استعارة مؤداها أنه لَا ينقص عمل عامل، لقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨).

وإن النص عام يشمل المؤمن وغير المؤمن في ظاهره، ولذا تكلم العلماء في أعمال الخير التي تقع من الكافر إذا قصد بها وجه الله تعالى مع كفره وضلاله، وقال الأكثرون إن الله لَا يغفر الشرك، ويعطي الكافر ثواب الخير في الدنيا، أما المسلم فيؤتيه ثواب الخير في الدنيا والآخرة، واستندوا في ذلك إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله لَا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى بها إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها " (١).


(١) رواه مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨٠٨) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>