للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كفْرًا) أنهم جعلوا بدل النعمة التي تستوجب الشكر كفرا، فالذين أُعطوا نعمة بدل أن ينتفعوا بها في وضعها موضعها من الشكر عليها كفروا بها، وكثيرون من ذوي النعم الذي أنعم اللَّه عليهم بالثراء استعلوا به فجعلوه كفرا، ومن أنعم اللَّه تعالى عليه بجاه في الدنيا بدلوه كفرا، فاستغلظوا واستعلوا، وجعلوا جاههم غطرسة وكبرا، وبطروا معيشتهم.

وكذلك أهل مكة في الجاهلية أكرمهم اللَّه تعالى بمقامهم حول البيت الحرام، وتلك نعمة أنعم اللَّه بها عليهم، فبدل أن يقوموا على سدانته وطهارته وضعوا عليه الأوثان، فاستبدلوا بالنعمة كفرا، وكذلك أنعم اللَّه عليهم وعلى البشرية ببعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، فبدلوا كفرا وعاندوه وآذوه وأصحابه، وأنعم اللَّه تعالى عليهم برحلتي الصيف والشتاء، وأن تكون مكة وسط البلاد العربية تغدو منها المتاجر وتروح إليها بين اليمن والشام فبدلوها كفرا، واتخذوها رِبَا الجاهلية، وأكلوا السحت، وكذلك اليهود بدلوا نعمة اللَّه إلى كفر، أعطاهم اللَّه تعالى علم الكتاب فغيروا وبدلوا واستطالوا على الناس، وقالوا نحن أبناء اللَّه وأحباؤه، وظلموا الناس وأكلوا أموالهم سحتا ورشوة، وقالوا: (. . . لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ. . .)، وهكذا.

ولذا نقول: إن الآية عامة تشمل كل من أنعم اللَّه عليه بنعمة، فبدل أن يضعها في موضعها يتخذها أداة للطغيان والضلال، فتكون كفرا، وأنهم بسب ذلك الطغيان الذي يستخدمون النعمة طريقا له ويكفرون (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)، أي الهلاك، أي ينزلون قومهم من عزة الإنسانية إلى الذل فيكون ذلك طريقا لانحدارهم إلى الهلاك، وأصحاب النعم التي يكفرونها هم الذين يفسدون أقوامهم، ويأخذونهم إلى حيث الفناء، وفناء الأمم والأقوام بشيوع الكفر والجحود فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>