للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) إن هذا النص جاء توطئة للجهاد، وليتحملوا كل ما فيه من شدائد، وكله شدائد إلا على المؤمنين الصابرين، وإنه يجب أن يتوقعوا ذلك ويتحملوه، فإن الأمر المتوقع إذا وقع سهل حمله، وإذا جاء على غير توقع صعب وقعه، وهلعت النفوس، وهذا النص كقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)، ومثل قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم الَلَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)، فهذه من أخوات هذه الآية التي نتكلم في معناها، فهي بيان لما يتوقعه المجاهدون، وخصوصا إن هذه الآية كما يبدو من سياقها مع الآيات كانت في السنة الثانية من الهجرة، وقد فتح باب الجهاد أبر ويوم الفرقان قريب الوقوع وهو بدر الكبرى الذي فرق بين عهد النصر المؤزر، وعهد الاستضعاف.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) البلاء الاختبار لَا ليعلم الله تعالى، بل ليظهر للناس ما أكنَّه الله تعالى في علمه المكنون، ولقد أكد الله تعالى البلاء ليؤكد موضوعه بالقسم الذي دلت عليه لام القسم، ونون التوكيد الثقيلة (بِشَيْء مِنَ الْخَوْفِ) قال بعض العلماء: التنكير فيه للتقليل، وإني أرى أن المقام موجب أن يكون التنكير فيه للتكثير لكي يتحقق معنى الابتلاء فيقدمون على حرب لقوم شداد غلاظ من شأنهم أن يُخَوِّفوا ويُفَزِّعوا، وقد قيل إن ذلك الخوف يتنافى مع الشجاعة التي عرف بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصحبه الكرام أمثال حمزة بن عبد المطلب أسد الله، وعلي بن أبي طالب فارس الإسلام والزبير وغيرهم من الصناديد الذين يتقدمون في الميدان لَا يهابون إلا الله، ونقول في ذلك إن الشجاعة لَا تنافى الخوف؛ لأن الخوف يحمل على تدبير الأمور،

<<  <  ج: ص:  >  >>