للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ ... (١٣٨)

* * *

هذا كلام موصول بما قبله مما ترتب على العقيدة الفاسدة؛ إذ إنه متى فسدت العقيدة فسد الفكر وضلت الأفهام، فلا يصد عن القلب الذي امتلأ بالعقيدة إلا باطل، وكان أظهر مظاهر بطلان العقيدة الفاسدة ما يتعلق بالحرث والأنعام، فإن فرط أوهامهم في الأوثان أثر في حرثهم وأنعامهم، يعطون لها الأكثر ويبقون الأقل.

وقالوا بأفواههم جازمين في قولهم مشيرين: (هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ)، أي محجورة وممنوعة ليس لأحد أن يأكل منها، فمعنى حجر محجورة ممنوعة، فهي حجر بمعنى محجور كذبح بمعنى مذبوح ونقض بمعنى منقوض، أي أنهم يشيرون إلى ناحية من الزرع والثمار فيمنعونه، وإلى قدر من الأنعام فيمنعونه، وقرروا أن الأصل فيه المنع، حتى يكون منهم الإذن بأخذه لمن شاءوا، ولكن المنع يكون لمن، ولأجل من؛ قالوا: إنه يمنع لأجل الأوثان تكون لخدمتهم وسدانتهم ومن يكون حولهم، ومن بقي ينفق منهم على من نريد، ويرون أنه ينتفع منه رجالهم دون نسائهم.

ومهما يكن فإنهم يقررون أنه ممنوع لَا يقربه أحد إلا من يشاءون، وهذا مؤدى ما قال الله عنهم: (لا يَطْعَمُهَا إِلَّامَن نَّشَاءُ بِزعْمِهِمْ).

وهنا عبارتان نقف عندهما قليلا.

أولاهما - (لا يَطْعَمُهَا) أي لَا ينال منه أي قدر، ولو بالذوق، إلا من نشاء.

الثانية - (بِزَعْمِهِمْ) فإنه بزعمهم أي بافترائهم وظنهم، وهي تدل على أن المنع كان على زعم فاسد منهم، لَا على حق اعتمدوا عليه، ويدل أيضا على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>