للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد بين سبحانه وتعالى أن الكتاب مهيمن على الكتب قبله، وحاكم على الناس فيما اختلفوا فيه، وما يختلفون إلى يوم القيامة، فإن رجعوا إليه اهدوا إلى الحق، وإلا فهم في ضلال بعيد.

قال سبحانه: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فقد اختلفوا في البعث، وقالوا: عيسى ابن اللَّه، وقالوا: عزير ابن اللَّه، وحرفوا في الرسالات، وبدلوا وغيروا، وأحل اليهود الربا، وقد حرم عليهم وأكلوا السحت والرشا، فكان لَا بد من مرجع يرجع إليه في معرفة الحق فيما اختلفوا فيه، فكان محمد الذي نزل القرآن عليه هو المبين، وأسند البيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن المبين هو القرآن وذلك لسببين:

السبب الأول: بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من القرآن،) وإن القرآن نزل من عند اللَّه تعالى عليه.

والسبب الثاني: أن القرآن يحتاج إلى مبلغ يبلغ حقائقه، ويعلم الناس به، يبين مجمله، ويخص عمومه، ذلك المبلغ هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذا أضيف التبين إليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو تكليف كلفه. وقوله تعالى: (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ) هنا أمران في القرآن غير الأمر الأول، وهو أن فيه بيانًا للشرائع السائغة، وما اختلفوا فيه حولها، فهو شاهد على الكتب السابقة، ومبين الحقائق في الرسالات الإلهية، وحكم عليها، لأنه آخر لبنة في صرح النبوة، وهو كمال الرسالات كلها.

وهو أيضا هدى ورحمة - ففيه الهداية من الضلال في متاهات الأوهام، فيه التوحيد، وقد زينت الأوهام الشرك، وفيه تحريم ما لم يحله اللَّه، وإحلال الحلال وتبيين الحرام، فهو الهادي المرشد، كما قال الحق: (. . . إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>