للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِلَّا تَنفِرُوا) أي في سبيل الله والجهاد، هي (إنْ) الشرطية المدغمة في (لا)، وجواب الشرط (يُعَذِّبْكُم عَذَابًا أَلِيمًا) ذكر العذاب منكَّرًا، مطلقا، والتنكير لتعظيم هذا العذاب، وأنه شديد يتطابق في شدته مع التثاقل عن الجهاد عند وجوب موجبه ودعوة الإمام الحق إليه، وإطلاقه يفيد تعدده وكثرته، فهو يشمل الغزو من الأعداء، والذلة، والمهانة والصغار، هذا في الدنيا، أما يوم القيامة فنار الجحيم وغضب الله، وسخطه، وبعده عنه.

وذكر مع العذاب الأليم الهلاك، فقال تعالى: (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) أنه يكون عند هلاككم، وحيث تهلكون مصحوبين بالخزي والهزيمة والعار يجيء قوم غيركم يكونون أشد بأسا وأعرف بحق الله تعالى منكم، وأرضى له، ثم يقول سبحانه: (وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا)، أي شيء من الضرر قليلا كان أو كثيرا، والضمير يعود - في ظاهر السياق (على الله سبحانه وتعالى) والمعنى على ذلك - أن الله تعالى غني عن العباد، وهم الفقراء إليه، والآية تشير إلى أنهم لَا يضرون إلا أنفسهم، فالعاقبة تعود إليهم، فهم الذين تنزل بهم الذلة، وتركبهم المهانة، وتلحقهم الهزيمة.

ويجوز أن يعود الضمير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو حاضر في الأذهان دائما، وهو الذي دعاهم إلى أن ينصروه بأمر ربهم، ويكون المعنى لَا تضروا الرسول بتخاذلكم، وتثاقلكم شيئا، فإن الله تعالى ناصره، فإن لم يكن بكم فبغيركم (وَاللَّهُ عَلَى كلِّ شَيْء قَدِيرٌ) فهو قادر على أنْ ينصره بغيركم، ولكن بعد فنائكم وضرب الذلة عليكم.

وإن الإنذار الذي اشتملت عليه هذه الآية عام خالد، يشمل العصور كلها، فمن يوم أن اثاقلت الأمة الإسلامية عن الجهاد، وتركته، ضربت عليها الذلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>