للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ... (١٤٨)

* * *

يبين الله سبحانه وتعالى ما يجول في قلوب الذين أشركوا وما أبدوه وهو قول الذين يعتذرون عن كفرهم بإلقاء التبعة عنهم، وقولهم هذا لَا يؤمنون به ولا يخضعون له، ولكنهم قوم خصمون، والمجادل المموّه يحتج بالحجة الباطلة وغير الباطلة.

إنه لو شاء الله ما أشركوا ولا آباؤهم، ولا حرموا من شيء، ولكنهم في وسط هذا القول الظاهر ينسون حقيقتين:

الأولى - أنهم عصوا الله، وأشركوا به، وحرموا ما حرموا مختارين وغير مجبرين، وأنه على ذلك يكون حسابهم وعقابهم في الآخرة ومؤاخذتهم في الدنيا ببيان أنهم خارجون عن الحق ينحرفون عنه، وفوق ذلك حرموا ما حرموا، وادعوا من غير أي برهان أو حجة بأن التحريم من الله افتراء عليه.

الثمانية - أنه ما كان الله تعالى ليتركهم في غيهم إلا لأنهم اختاروا السير في طريق الضلالة، فتركهم الله يسيرون فيه حتى بعدوا عن الحق بالضلال البعيد.

وإن ذلك دأب الخارجين، فخرج الذين من قبلهم بذلك القول الذين يلقون به الإثم عن أنفسهم وهو محيط بهم، لَا يخرجون من دائرته، ولذلك قال تعالى:

(كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِين مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقوا بَأسَنَا).

كهذا القول الذي سيقوله الذين أشركوا ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء قال الذين سبقوهم بالشرك من قبلهم، فالشر مسلسل فيهم ما داموا قد غووا، والكفر كله ملة واحدة في التفكير واستيلاء الهوى، وعدم تحملهم مسئولية فعلهم بإلقاء التبعة على غيرهم، ونفيها عنهم، واعتذارهم بأنهم لَا يؤاخذون على ما يرتكبون من آثام، وذلك الشأن في العصاة، يروى أنه حدث أن مرتكبا لما يوجب حدا سيق إلى عمر، فسأله لم ارتكبت هذا؟ قال: قضاء الله، فأقام عمر عليه الحد، وزاده أسواطا لأنه يحمِّل قضاء الله تعالى مسئولية عمله، ولقد قال

<<  <  ج: ص:  >  >>