للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَيْحَثُ فِى الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ) هذا الكلام يتضمن معاني سبقته، ولم يذكرها القرآن الكريم، لأنها تفهم من المعنى والسياق من غير حاجة إلى الذكر، ولا يدرك المعنى ولا يستقيم إلا بتقديرها، وذلك أن القاتل بعد أن ارتكب الجريمة، وأحس بالخسارة الشديدة التي نالته، لم يرد أن يترك أخاه تنهشه السباع، أو تنقره جوارح الطيور، ولا أن يترك جسمه ملقى، وألهم بالفطرة أنه لَا بد من مداراة جسمه، وستره، وإبعاده عن الأنظار، لأنه بعد موته صار جسمه كله سوءة يسوء النظر إليها، ولا تألف الطباع السليمة رؤيته، فالمراد بالسوءة الجسم كله بعد موته؛ لأنه يسوء النظر، وخصوصا بعد أن تتحول حاله ويتعفن، وقد استيقظت الأخوة في نفسه، بعد أن خبت أمدا ارتكب فيه جريمته.

اتجه الأخ القاتل لمواراة جثة أخيه أي سترها، وقد أراد الله تعالى أن يعلمه ذلك، فبعث غرابا، ومعنى بعثه أنه أفهمه أن يفعل ذلك، وقد رأى ذلك الغراب الملهم غرابا آخر ميتا، وأراد أن يستره عن الأنظار، فأخذ يبحث في أرض أي يثيرها ويحفرها برجليه، حتى أوجد حفرة تسع الغراب الميت، فوضعه فيها، فكان هذا إعلاما للقاتل بالطريق التي يواري بها جثة أخيه.

وقد فهم بعض المفسرين من الآية أنه لم يكن ثمة غراب قد مات، أو قتله صاحبه، ولكنه رأى الغراب يبحث في الأرض عن شيء من الأشياء ليدفنه؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>