للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) وقوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ) نقول: إن معنى الاقتراب تأكُّد الوقوع كقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَة وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، إذ إن كل أمر مؤكَّد الوقوع يصح أن يقال عنه إنه مقترب، وإن الأزمان بالنسبة للقرب والبعد عند الله سواء، فالقرب والبعد بالنسبة للحوادث لَا بالنسبة إلى واجب الوجوب، ورب البرية، ولأن هذه الآية نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد كان مبعثه على قرب من القيامة، كما رُوي عنه أنه قال: " بعثت في نسم الساعة " (١) و (اقترب): صيغة افتعال من (قَرُب) وهي تدل على شدة الاقتراب، واقتراب الحساب هو اقتراب الساعة التي يكون فيها الحساب وعبر عنها بالحساب؛ لأن الحساب كما أشرنا هو الفصل بين الخلائق يوم القيامة لأنه هو الذي يعين مصائرهم، إما إلى الجنة أبدا وإما إلى النار أبدا، فذكرت القيامة بأعظم ما فيها، وهو ما يحدد مآل الناس، ولأن ذكره فيه ترهيب للناس وتنبيه لهذا اليوم الذي تجزى فيه كل نفس ما كسبت، فذكره تنبيه للغافلين.

والتعدية باللام في قوله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ) إنها لتوكيد الحساب، وتنبيه الأفهام، وتقدير القول: اقترب حساب الناس، فكان النص السامي أبهم الحساب، بأن الاقتراب للناس، ثم بين أنه ليس لذواتهم، بل لحسابهم، وفي


(١) أخرجه الحاكم في الكنى، والبزار عن أبي جبيرة رضي الله عنه. الفتح الكبير (٥١٥٤)، ومجمع الزوائد (١٣٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>