للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيل).

مع هذا التصريف في بيان الآيات، بذكر النعمة التي يلجأون إلى طلبها دون سواه، وبيان القدرة الكاملة الشاملة، وبيان أنه الذي ينزل الابتلاء، والعذاب الدنيوي ليقيسوا عليه من بعد العذاب الأخروي، كذبت قريش قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبها مع قيام البينات الصادقة، ومع حالهم من الاستسلام، وطلب النجاة منه عند الشدة، يدل على إدراك ناقص أولا - لأنَّ مناقضة الشخص لحاله أو لبعض أحواله دليل على غفلته عن إدراك الحقائق كاملة، وعن نسيان الوقائع، ويدل أيضا على جحود مستحكم ومقاومة للحق مع قيام الأدلة، وشهادة الآيات، ويدل على تغلغل التقليد في نفوسهم، حتى إنه يضع على أعينهم غشاوة، وإن كان البصر قائما، فلهم أعين لَا يبصرون بها ولهم آذان لَا يسمعون بها.

وقال بعض المفسرين: إن قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أمته الذين بعث فيهم لَا فرق بين عربي وأعجمي، ولا أبيض وأسود، ولا شرقي ولا غربي، فأولئك قومه - صلى الله عليه وسلم -.

ونحن نميل إلى ما عليه الجمهور من المفسرين، لأن الأمة أعم من القوم، في أصل الدلالة اللغوية، وإنما ذكر الله تعالى قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - من قريش، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حفيا بأن يؤمنوا حريصا على إيمانهم، حتى إنه عندما كان الأذى بشتى ضروبه، قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لَا يعلمون، وقال: " وإني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله " (١)، وللإشارة إلى عموم الدعوة إلى هذه الدعوة، وإنه


(١) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ [ص:١٧٦]، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ". متفق عليه؛ البخاري: أحاديث الأنبياء - حديَث الغار (٣٤٧٧)، ومَسلم: الجَهاد والسير - غزوة أحد (١٧٩٢). =

<<  <  ج: ص:  >  >>