للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ... (٤٠)

يبين الله تعالى معنى أنهم لم يضروا الرسول شيئا، فإن الله معه وهو في مكة ثم وهو خارج منها وإنه لن يتركه أبدا، وقد كان معه، وقد نصره يوم الفرقان وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) (إلا) (إنْ) الشرطية المدغمة في (لا) أي: إن كنتم لَا تنصرونه وتخاذلتم عن نصرته فهو في غنى عنكم ولن يُخذل إذ قد نصره الله تعالى وهو في قلة من العدد، ولم يكن معه أحد، فالماضي دليل على ما يكون في الحاضر، ويكون الماضي جوابا للشرط الذي هو في الحاضر، إذا كان الماضي فاصلا وفصله مستمد من الحاضر كقوله تعالى: (. . . إِن كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ).

ولذا دخلت (الفاء) في الجواب لتبين أنه جواب الشرط.

وخلاصة المعنى السامي: إن كنتم لَا تنصرونه في الحاضر، فلن يُغلب لأن الله ناصره، وقد نصره في الماضي، وصور الله تعالِى الماضي، أو أعاد صورته في الأذهان فقال تعالت كلماته: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِين كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ) وإذ ظرف للماضي متعلق بقوله تعالى فقد نصره الله، والمشركون لم يقصدوا إلى إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - بل فكروا في أمور ثلاثة إما أن يثبتوه أي يحبسوه أو يقتلوه أو يخرجوه، وأرادوا تنفيذ القتل، فاجتمعوا حول داره ليقتلوه، وأتوا من كل بطن من بطونهم بفتى نهد، ليضربوه ضربة رجل واحد، فيضيع دمه في القبائل، ويرضى بنو هاشم بديته، ولكن الله حارسه.

وقد كان ما ذكرناه من قبل، وقد جاء في بعض كلام المفسرين أنه خرج فارا من القتل، وإن كان ذكر الفرار غير سليم؛ فإن الهجرة كانت مقررة في علم الله تعالى، وفي نظام الدعوة من قبل ما دبروه أو مكروه في يوم الندوة بدليل ما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>