للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من هجرة عدد من المؤمنين من قبل، ولم يبق بمكة إلا النبي وأبو بكر، وعلى، ولعل بعض بني هاشم.

فالهجرة كانت مقررة، ويصح أن ينسب إلى المشركين أنهم أخرجوه على أساس أنهم كانوا السبب في خروجه؛ وذلك لأنهم عادوا الدعوة المحمدية، ونابذوها، وآذوا أهلها، ولم يعاضدوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - في دينه الذي بعث به، فلم يعودوا صالحين لأن تقام دعوة الحق في أرض مكة؛ لأنه لَا يمكن أن تقوم دولة في ظل دولة الأوثان، وقد كانت تناوئها، وتعذب أهلها، فكانت الهجرة أمرًا لابد منه لأقامة دولة الحق والوحدانية في المدينة التي وجد الإسلام فيها بيئة صالحة، فغرس فيها غرسه.

وقد صور الله تعالى في كلامه الحكيم كيف كان نصره سبحانه في الهجرة، فقال تعالى: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

قال سبحانه وتعالى: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) حال كونه واحدا من اثنين، أي أنه في قلة ليس معه إلا واحد، وهم يقتفون آثارهما ويتتبعونهما، ويلجآن إلى غار، يتتبعهما فيه عدد من رجالهم، وأرسلوا واحدا، يسير وراءهم إلى المدينة، وإنهما عندما نزلا في الغار عشش على ظاهره الحمام والعنكبوت، وما ذلك إلا من عمل الله تعالى الذي لَا تخفى عليه خافية، ولفد كان من يقتفي الآثار قد انتهى اقتفاؤه إلى هذا الغار، وقال: ها هنا انتهى الأثر، ولكن ظاهر الحال يكذب القافي، لأن العنكبوت قد نسج خيوطه، والحمام قد عشش عليه، فكيف، وذلك من فعل خالق الغار، وخالق الحمام والعنكبوت الذي أحكم خلقه وقدره تقديرا، ولقد روى الإمام أحمد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: " نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رءوسنا، فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أن أحدهم نظر إلى قدميه، أبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " (١).


(١) رواه أحمد: مسند العشرة - مسند أبي بكر الصديق. رضي الله عنهم (١٢)، وباللفظ نفسه رواه مسلم: فضائل الصحابة - فضائل أبي بكر الصديق (٢٣٨١)، وبنحوه البخاري: المناقب - مناقب المهاجرين وفضلهم (٣٦٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>