للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦)

هذه السورة سورة النحل مكية كلها، وقيل إن ثلاث الآيات الأخيرة منها، وهي هذه الآية، واللتان تليانها مدنيات، وهي بالمدنيات أشبه؛ لأن المسلمين لم يملكوا القدرة على العقاب إلا بعد الهجرة، وبعد أن أذن لهم بالقتال في قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠).

فبعد الهجرة والإذن بالقتال يكون للعقاب موضع؛ إذ كانتا لهم القدرة، ويكون معنى الآية على هذا، وإن عوقبتم أي آذوكم على إيمانكم، وهاجموكم في دياركم وأموالكم، أو أردتم أن تأخذوا منهم حقكم على إيذاء آذوه فعاقبوهم بمثل ما آذوكم، وتسمية فعلكم عقابا هو من قبيل المشاكلة اللفظية، فما كان منهم لم يكن عقابا بل كان إيذاء ابتداء اعتدوا به عليكم كما سمي رد الاعتداء من قبيل المشاكلة اللفظية في قوله تعالى: (. . . فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فما كان دفع الاعتداء اعتداء إنما كان دفع الاعتداء انتصافا.

وما موضع الصبر في هذه الحال، وقد أقسم اللَّه تعالى بأنه (خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ)، ونقول: إن موضعه في أنه لَا يجهز على جريح، ولا يقتل النساء ولا الذرية، ولا تنتهك الفضيلة، وفي ألا يبادروهم بالقتال، ولا ينتهكوا الحرمات

<<  <  ج: ص:  >  >>