للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)

* * *

في الآيات السابقة أمر الله بالعدل، ولو كان في مصلحة الكافرين، وأمر بالعدل بين الأزواج، وإنه أساس قيام الأسرة، وإن كان العدل في الأسرة أمرا شاقا، لأنه يتصل بالنفوس، لَا بالأمور المادلة. إذ العدل في الحقوق الظاهرة يكون ممهلا ليس صعبا، أما المساواة في الأمور النفسية فمن الأمور التي تشق على النفوس. ثم بيَّن سبحانه وتعالى سلطانه الكامل، ورقابته على الأعمال ما ظهر منها وما بطن، وتستوى في ذلك أعمال الجوارح، وأعمال القلوب وخلجات النفوس، وفي هذه الآية يبين أن العدل خاصة أهل الإيمان، وقد أمر الله به المؤمنين، لأنه مقتضى الإيمان، وهذا العدل يعم العدو والوليّ على السواء.

ولذلك قال سبحانه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) النداء (يَا أَيُّهَا) للتنبيه، وقد اختير اللفظ الدال على النداء. للبعيد لتعظيم التنبيه إلى الأمر الخطير الذي يدعوهم إليه، وهو العدالة التي بها ميزان السماء والأرض، والتي هي دعامة الإسلام الأولى، وسِمَتُهُ ومظهره، ومعنى " قوَّامين " أن تقوموا على القسط وهو العدل وترعوه حق رعايته، فقَوَّام صيغة مبالغة من قام بالأمر، وقام عليه وتعهده، وهو أبلغ من كونوا عدولا، لأن القوَّام بالعدل تكون فيه خصال ثلاث:

أولاها: أن يعدل في ذات نفسه، فلا يظلم أحدا.

والثانية: أن تكون العدالة شأنا ملازما له لَا يفترق عنه، لتكون كالسجية من سجاياه، والملكة من الملكات.

<<  <  ج: ص:  >  >>