للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ... (٢٤)

* * *

في هذه الآية يبين سبحانه السبب في أنهم لَا يقبلون على الخير ولا يعملون بالحق، وهو اعتقاد أنهم لن يعاقبوا عقابا أليما، ولن يعذبوا عذابا شديدا؛ وذلك لما ركز في نفوسهم من أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم شعب الله المختار، وأنهم لَا يحاسبون إلا بمقدار ما يحاسب الأب ولده المدلل، وحبيبه المختار، إذا رأى مخالفة أو عنادا فإنه لَا يجافيه ولا يعاقبه، ولكن يقربه ويعاتبه، فمعنى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ): ذلك الإعراض عن الحق، والتولي عن الداعي إليه، واللجاجة في الباطل؛ بسبب أنهم يقولون لن تمسنا النار إلا أياما معدودات. وليس المراد إحصاء الأيام، بل المراد الاستخفاف بالعقاب والاستهانة به، وعدم الالتفات إلى وعيد الله، وزعمهم الباطل أنهم ينالون ما وعد به من ثواب ونعيم مقيم من غير عمل يعملونه، ولا كسب يكسبونه، فهم بهذا قد استناموا إلى الأماني وغرتهم الأوهام.

ولماذا كان الاستخفاف بالعقاب وعدم الاهتمام بالوعيد سببا في الإعراض عن الحق؟ الجواب عن ذلك أن الحق يصل إليه المؤمن بأحد أمور ثلاثة: إما بإشراق النفس، واستقامة القلب، وسلامة الفكر من الهوى والغرض، وذلك شأن من زكت نفوسهم وعلت قلوبهم؛ وإما شكر للنعمة، ووفاء لحق المنعم، وذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>