للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد أن بين سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أحكام القتل الخطأ، نبه سبحانه إلى توقِّي المجازفة في القتل، فلا يسارع المؤمن إليه، لأن الأصل في الدماء أنها محرمة، ولا تباح إلا عند الاعتداء. ولذا قال جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتم فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنوا) الضرب في الأرض معناه السير فيها، والضرب في سبيل الله معناه السير مجاهدا في سبيله تعالى، وكل جهاد في الإسلام لَا يعتبر جهادا إلا إذا كان في سبيل الله تعالى، أي لإعلاء كلمة الحق والدين، ورد المعتدين. فسبيل الله هي سبيل الحق، وكل دعوة إلى الخير هي سبيل الله تعالى ومعنى " تبينوا ": تثبتوا، وهناك قراءة نصها: " فَتَثَبَّتوا " (١).

ومعنى النص الكريم: يا أيها الذين أذعنوا للحق وصدقوا به، وخرجوا مجاهدين في سبيل الله، إذا سرتم في جهادكم، فتعرقوا من يحاربكم ومن يعاديكم، ولا تضعوا السيف في موضع البرء والسقم، في المقاتل وغير المقاتل، في المحارب وغير المحارب، ولا تتعجلوا بالقتل عند الشك في أن من تقتلونه عدو أو ولي، أو عند احتمال ألا يكون عدوا؛ فإن الأصل في الدماء التحريم، وكل شك يمنع القتل؛ إذ القتل إنما هو لدفع الاعتداء، فلا يقتل إنسان إلا عند تأكد الاعتداء منه، أو نيته عنده، ومن لم يتثبت، فقد خالف أمر الله واعتدى.

وروى في سبب نزول هذه الآية روايات مختلفة، كلها يتلاقى عند معنى واحد، وهو أن المجاهدين الأطهار قتلوا رجلا نطق بالشهادتين: " لا إله إلا الله، محمد رسول الله "، بعد أن استمكن المسلمون من رقبته، أو قال للمجاهدين: السلام عليكم، فقتلوه، وقد جاء في (أحكام القرآن) للقرطبي: في سنن ابن ماجة عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين إلى المشركين بعثا، فقاتلوهم قتالا شديدا، فمنحوهم أكتافهم، فحمل رجل على رجل من المشركين، فلما غشيه قال: أشهد أن لَا إله إلا الله، إني مسلم، فطعنه فقتله،


(١) وبها قرأ حمزة والكسائي، وخلف، وقرأ الباقون (فتبينوا). غاية الاختصار، ج ٢، ص ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>