للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣).

ناداهم مقربا لنفوسهم متلطفا معهم في القول: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ) ابتدأ بذكر أنهم قومه الذين ألفهم وألفوه، وجربوه، ولم يعهدوا عليه كذبا، وما أشبه هذا بقول محمد - صلى الله عليه وسلم - في أول دعوته لقريش: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم؛ ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " (١) قال نوح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ) أي وحده فلا عبادة إلا له وحده؛ ولذا قال بعد ذلك (مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غيْرُهُ) (مِّنْ) لاستغراق النفي، أي ليس لكم أي إله غيره، فلا ألوهية إلا له سبحانه وتعالى، وحرضهم على الطاعة، وخلع عبادة الأوثان، فقال: (أَفَلا تَتَّقُونَ)، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي ترتب على الأمر بعبادته سبحانه وحده وبطلان عبادة الأوثان التي يعبدونها أن يطلب منهم محرضا تقوى اللَّه واتقاء عذابه، والفاء مؤخرة عن تقديم لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام للتنبيه، والتحريض على اتقاء العذاب، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقومه في أول دعوته: " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا " (٢).

هذا كلام نوح - عليه السلام - في دعوته قومه، وقد بينا أنه يتشابه مع دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - قومه، وقد كان جواب قومه بعد أن دعاهم عليه السلام مشابها لإجابة قريش لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أمعن في دعوته، قالوا له عليه السلام:


(١) رواه البخاري: تفسير القرآن (وأنذر عشيرتك الأقربين) (٤٣٩٧) وبنحوه مسلم: الإيمان في قوله تعالى: (وأنذر عشسيرتك الأقربين) (٣٠٧) من رواية ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) سبق تخريجه.
(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>