(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ) هذه الآية الكريمة تفيد أن الصدقات في كل أحوالها خير محض ما دام المنفق قد خلص من الرياء، وجانب المنَّ والأذى؛ وإذا كان ثمة تفاوت فهو في حال النفس، والاحتياط للرياء، وسد مداخله، ولذا قال تعالى مادحًا النوعين من الصدقة: صدقة الجهر، وصدقة السر:(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا) أي إن تظهروا صدقاتكم وتعلنوها بين الناس فنعم تلك الصدقة، أي أنها أمر محمود ممدوح يوجب الثناء والذكر الحسن؛ فقوله تعالى:(فَنِعِمَّا هِيَ) هو نِعْم المدغمة في ما، وما هي التي يقول عنها علماء اللغة إنها نكرة تامة بمعنى شيء، والمعنى نِعْمَ شيئا يستحق المدح والثناء تلك الصدقات. وعبر في قوله عن الإنفاق بالصدقات هنا، للإشارة إلى أن المدوح من الإنفاق المعلن هو الصدقات التي يقصد فيها الشخص إلى إرضاء الرب، وتصدق فيها نيته، ويخلص قلبه؛ لأن كلمة (الصدقة) مأخوذة من الصدق، والصدق هنا هو صدق النية وتخليصها من كل شوائب الرياء. وإذا كانت الصدقة التي خلصت النية فيها لوجه الله تعالى هي موضع مدح وثناء ولا ذم فيها قط، فهي خير بلا شك. وذكرت خيريته بعبارات المدح والثناء دون التصريح بالخيرية، للإشارة إلى أنها ممدوحة عند الله كما هي ممدوحة عند الناس؛ إذ إن المعلن لصدقته سينال ثناء الناس، وسيتحدثون بجوده؛ فبين سبحانه أن عمله ممدوح عند الناس أيضًا وبذلك ينال التصدق المخلص في نيته ومقصده إن أعلن، ثواب الله، وثناء الناس، وثناء الشرع.
هذه صدقة الجهر إن خلصت من الرياء؛ أما صدقة السر فقد أثنى عليها سبحانه بقوله تعالى:(وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ) أي إن تخفوا الصدقات التي خلصت فيها النية وتؤتوها الفقراء بأنفسكم فهو خير لكم؛ لأن البعد عن الرياء يكون أوثق؛ إذ في السرية سد لكل ذرائع الرياء، ولذلك كان السر خيرًا للمعطي؛ إذ فيه احتياط لنفسه من أن يدخلها داء الإنفاق، وهو الرياء؛ فإذا كان في الجهر فائدة الثناء، ففي السر فائدة الاحتياط من الرياء؛ وذلك خير من كل ثناء. ثم