للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (٥٣)

الضمير يعود إلى اللَّه جل جلاله، و (مَرَجَ)، لها معنيان وردا في لغة العرب، المعنى الأول - خلَّى وأرسل، والمعنى الثاني - خلط من غير امتزاج، وإدخال أحدهما في الآخر، وقبل أن نخوض في معنى الكلمات والأسلوب نقرر أن هذه الآية من دلائل الإعجاز؛ لأن محمدا لم ير البحار التي تمخر عبابها السفن، فذكره سبحانه وتعالى لخواصها في القرآن دليل على أنه ليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يرها ولم يعرفها، ودليل على أن الكلام للَّه تعالى خالق البحر واليابس، والأنهار والبحار، وهو بكل شيء عليم.

والمعنيان للمرج يستعملان في هذا المقام، فاللَّه سبحانه وتعالى خلَّى البحرين يجريان كل منهما في مجراه من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر، وهما غير متجاورين أحيانا، وأحيانا يكونان متجاورين يختلطان ويتجاوران ولا يمتزجان، والبحران هما النهر العظيم كالدجلة والفرات والنيل وسيحون وجيحون وغيرها من الأنهار العظيمة الذي يخليها الله تعالى ويرسلها في المروج، فتنبت الزرع نباتا وغراسا، ويشرب منها الناس، ويسقون دوابهم وأنعامهم، والبحر الثاني هو البحر الملح، كبحر الروم وبحر القلزم، وبحر الهند، وبحر الظلمات وغيرها، والأول عذب فرات، والثاني ملح أجاج، أي ملح شديد الملوحة، وفيه أحيانا دفء، وفيه نعم لَا تحد، ففيه الجواهر والياقوت والمرجان، وفيه اللحم الطيب، وهواؤه فيه مواد مطهرة للصدر، فيه اليود، ومنه تنبعث الريح، وفيه تجري البواخر كالأعلام وفى هذا بيان نعمة الله تعالى في الماء العذب الفرات الذي يكون لسقي الأرض وإحياء نباتها وغرسها.

وقد ذكر الحافظ ابن كثير عجائب الله تعالى في البحر الأجاج، فذكر ما

<<  <  ج: ص:  >  >>