للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ... (١٩٩) بعد أن أشار سبحانه إلى الوقوف بعرفة والإفاضة إلى المزدلفة، وذكر الله فيهما، بين طريق الإفاضة فقال هذه الجملة الكريمة، واستعمال " ثم " لبيان الترتيب والتراخي البياني أو المعنوي؛ ففي الأول ذكر مطلق الإفاضة، ثم ذكر طريق الإفاضة وكيف تكون، كمن يقول أحسن إلى الناس ثم لَا تحسن إلى غير كريم؛ لبيان التفاوت بين مطلق الإحسان وتخصيص الكريم بالإحسان؛ وكذلك هنا كان التعبير بـ (ثُمَّ) لبيان التفاوت في الفضل بين مطلق الإفاضة، والإفاضة مع الناس وفي جمعهم الزاخر المتدافع ليشعر كل مسلم بأنه في منزلة واحدة مع غيره من المؤمنين، فيستوي السوقة والأمير، والكبير والصغير، والغني والفقير والحاكم والمحكوم؛ فتصقل هذه الزحمة القدسية قلوب المؤمنين، وتشعرهم بالمساواة أجمعين.

فهذه الجملة عامة في خطابها تشمل الحجاج أجمعين إلى يوم الدين؛ فهم جميعا مطالبون بأن يفيضوا مع الناس، ومن حيث يسيرون، لَا يختص أحد بطريق، ولا يمنع لأحد طريق ولا يكون لفريق مسلك، وللناس مسلك، ولا يمنع الناس حتى يمر بعض الناس؛ بل الجميع في المرتفع والمهبط، والسير والموقف سواء، لأنهم في ساحات رب العالمين الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.

ولقد قال بعض مفسري السلف: إن الخطاب في هذه الجملة خاص بقريش وحلفائها؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يسمون أنفسمهم الحمس يقفون بالمزدلفة، ولا يقفون مع سائر الناس بعرفة، فأمرهم الله سبحانه بأن يقفوا كما يقف كل الناس، ويفيضوا كما يفيض كل الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>