للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ... (١٠٥)

* * *

كان المؤمنون يعجبون من حال الكفار كيف يتبعون آباءهم على غير بينة وكيف يستمرون في غيهم، ومنهم ذوو قربى، فكانوا يرشدونهم، ويجزعون لإصرارهم، فبين الله تعالى في هذا النص الكريم أنهم بعد البيان ليس عليهم إثمهم، بل عليهم أن يلزموا بعد التوجيه أنفسهم، ومعنى قوله تعالى: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ). احفظوا أنفسكم وصونوها عن الاتباع من غير تفكير، فلا تقلدوا آباءكم من غير بينة، واهتدوا بهدْي الله، ولا يضركم ضلال من ضل واستمر على غيه بعد أن أرشد إلى وجه الحق، ولكن لم يدخل قلبه بل استمر على ضلاله القديم، فهذا النص الكريم يفيد أمرين: أولهما - أن يحفظوا أنفسهم، ويقوها شر التقليد المردِي، ويعملوا على أن تبقى الهداية منيرة سبيلهم عامرة قلوبهم بها. وثانيهما - أنه لَا يضرهم ضلال الضالين، ما داموا قد تجنبوا طريق الغواية هم، وأرشدوهم إلى الحق.

ولعل ظاهر الآية يوهم أنه لَا يضر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما دام لَا يضر المؤمن ضلال من ضل، وقد ظهر ذلك الفهم الخطأ في عهد صديق هذه الأمة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فقال: إنكم تقرءون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب " (١) والآية ليس فيها دليل ناهٍ عن الأمر


(١) رواه بنحوه أحمد: مسند العشرة - مسند أبي بكر رضي الله عنه (١). ورواه بلفظ مقارب جدا: ابن ماجه: الفتن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٤٠٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>